إنْ وجهنا سؤالاً، مَن الذي تسبّب في هذه الإشكاليات والفهم الخاطئ للنصوص الشرعية؟ إنها الأعراف القاهرة والتقاليد المذلّة والموروث الذي يزاحم الأحكام الشرعية، ويصادم الكرامة الإنسانية، مثلاً عندما تُزوّج المرأة جبراً وقسراً من دون قبولها، أو تُحرم من بعض حقوقها التي منحها الله إياها، حتماً ستثور وتتمرد ليس على الأعراف والتقاليد بل على الدين ظناً منها أن هذه الأعراف والتقاليد والموروثات من الدين.
كثيرون هم الذين ينطلقون بأفكارهم من التجربة والخبرة، والتجربة ليست حكماً على الشريعة، والواقع ليس مصدراً من مصادر الشريعة، الدين هو الذي يحكم على الواقع وهو الميزان الذي ينبغي أن يخضع الواقع له وليس العكس، ولكن فتنة الانبهار بما يأتي من الآخر صاحب النظريات والعلم، يدعوهم إلى الاستسلام وفقد ملَكة النقد السليم، وقبول كل ما يأتي منه حتى وإن كان متخلفاً أشد من التقاليد والموروثات المجتمعية، كما أن قلة العلم الشرعي، وضعف الوعي الشرعي عند المرأة المسلمة، هو ما يجعلها تقع في الإشكاليات وينطلي عليها الشبه وتتشربها، لأن إلقاء الشبهات ونقد الأحكام الشرعية شيء سهل ويسير، ولكن الرد هو الذي يحتاج إلى استيعاب، لأنه مبني على قواعد ولغة، ومبني على رؤية تكاملية للأحكام القطعية، كذلك فقدان المنهج العلمي لمحاكمة الأفكار الذي تشكك في الدين، يجعل هذه المرأة وغيرها يطعنون بالحكم الشرعي ورده.
إن الخلل في الفهم، والخلل في إصدار الحكم على الشريعة، يأتيان من الاعتماد على رأي فقهي شاذ نادر غير معمول به في التاريخ الإسلامي، أو أخذ الأحكام من نصوص مبتورة من سياقها ومن كمالها والنظرة الكلية للشريعة، وهنا يقع الخطر عندما نأخذ الأحكام مبتورة من سياقها ومن مقدماتها، منزوعة للرؤية والإطار الكلي للأحكام الشرعية، وبعدها نطالب بما يصادم ويعارض الثوابت القطعية من الأحكام الشرعية.
إن الذين ينطلقون من منطلقات لا دينية سواء في علم الاجتماع أو علم النفس أو علم الاقتصاد، يحتجون على النص الشرعي والرأي الفقهي، لأن كثيراً منهم يرون النص الشرعي منتجاً ثقافياً من الواقع، أي أنه نتيجة لتفاعلات اجتماعية، لذا هم لا يرون القرآن وحياً أنزل من السماء، بل يرونه تراثاً، وهذه هي الحلقة المفقودة بيننا وبينهم، إن الاجتهاد في الفقه الإسلامي هو الذي يجعل الدين الإسلامي صالحاً لكل زمان ومكان، ويعطينا الحيوية والتجديد، ومن الضروري ألا يدخل في علم الاجتهاد من ليس من أهله، لأن هناك قضايا قطعية لا يصح فيها الاجتهاد، وتخضع لها الأمة كلها، مثل.. «قل هو الله أحد» و«قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن» ((همسة في أذنكِ «لا تفرطي بحجابكِ»)) و«للذّكر مثلُ حظ الأنثيين»، أي الأحكام القطعية التي جاءت بنصوص قرآنية لا يجوز الاجتهاد فيها، وهناك قضايا فرعية فيها خلاف والشريعة أرادت أن يكون فيها خلاف لكي تكون هناك مرونة في قضية الأخذ والعطاء ومراعاة البيئات والظروف، كما في القضايا المادية نجد الخلاف، مثلاً الأطباء عندما يختلفون على تشخيص حالة، والقانونيون في تفسير نص قانوني أو دستوري، كذلك أهل العلم الشرعي عندما يختلفون على رأي فقهي، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن ديننا دين يسر وليس بدين عسر.
لو كان النص القرآني يخضع للواقع، لأنفقت «السيدة خديجة، رضي الله عنها» على رسولنا، عليه الصلاة والسلام ودعمت دعوته الدعم المادي، فقد كان فقيراً، واشتغل عندها في حملتها إلى الشام، صلّى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو انطلقنا من واقع اجتماعي لشرع غير التشريع هذا، ولكن التشريع منزل من السماء تجاوز الواقع وحكم عليه، وهو من الثوابت التي لا تتغير، ولكن عندما جاء الإسلام وأراد أن يؤّمن المرأة اجتماعياً ومالياً شرع هذا التشريع، الذي لن نقبل بغيره، حتى لا يصبح مجتمعنا مجتمعاً آلياً مادياً جافاً يبنى على التعاقدية والتفاوضية، لا على التراحمية والحميمية، كما هي الحال في المجتمعات الغربية.
M.alwohaib@gmail.com
mona_alwohaib