إن التقدم الصحي في العالم كله يقوم على شيئين: التقدم في تشخيص الأمراض والتقدم في طرق علاجها، والتقدم النهضوي في أي بلد شبيه بالتقدم الصحي، أي أننا كلما استطعنا رؤية المزيد من أسباب تراجعنا ومعاناتنا كان سيرنا في طريق التقدم أفضل وأسرع، ولهذا فإننا في حاجة إلى استخدام ما لدينا من خيال وقدرة على فهم الجذور والعلل والأسباب.
وكم هو ممتع وجميل أن نعقد الكثير من الندوات والحوارات المتخصصة في تشخيص المشكلات التي نعاني منها، وتسليط الضوء على أسبابها، دون الدخول في شرح علاجها، حتى يرسخ في أعماق عامة الناس الإحساس بموارد معاناتهم وشقائهم ومشقتهم.
لو تأملنا على سبيل المثال في أسباب ضعف التعليم أو الخدمات الصحية لدينا لأمكننا التحدث عن الأسباب الآتية: نبدأ بالتعليم... عدم قدرة التعليم على جذب أفضل العقول والكفاءات، ضعف حماس المعلمين للعطاء وضعف حماس الطلاب للتعلم، يغلب على أسلوب التعليم التلقين وليس المشاركة، عدم وجود تقاليد اجتماعية جيدة تجاه دعم المدارس، يغلب على المناهج التقادم والسهولة، ضآلة الفرص الوظيفية التي تنتظر الخريجين حيث إن العاطلين عن العمل في كثير من البلدان هم من حملة الشهادات، وغياب الرؤية الإصلاحية الشاملة لدى كثير من القيادات التعليمية.
أما بالنسبة للخدمات الصحية... غياب الرؤية البنائية الكلية لدى كثير من القيادات الصحية، أمية كثير من المسؤولين في ترشيد المخصصات المالية، عدم قدرة الهيكل الصحي على جذب أفضل الكفاءات من الطاقم الطبي أو التمريضي، وعدم وجود محفزات للعمل بالخدمات الطبية والتمريضية. رؤية هذه الأسباب بشكل جيد ومفصل في الجانبين التعليمي والصحي تشكل نصف الحل لضعف التعليم أو ضعف الخدمات الصحية، ويكمن النصف الثاني في الإبداع في طرق العلاج والجرأة في اتخاذ القرارات الإصلاحية.
في الحقيقة، أن العمل النهضوي كثيراً ما يقوم على معالجة الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى استمرار التخلف وتكريس مظاهر الانحطاط الحضاري. والنهضة الحقيقية هي النهضة التي تجعل الناس يشعرون بالسكينة والطمأنينة والاستقرار، ويشعرون براحة الضمير، وهذا يتم من خلال العمل على إعلاء شأن بعض القيم التربوية والصحية، مثل صيانة حقوق المعلم والمتعلم، والعدل ما بين المعلمين والتربويين وتكريم الإنسان لكونه إنساناً، وتقوية النسيج الاجتماعي ومحاربة المحسوبية والواسطة وما شابه ذلك...
وأخيراً: النهضة التي لا تستهدف الارتقاء بالإنسان، هي نهضة ضد الإنسان.
M.alwohaib@gmail.com
mona_alwohaib