كثيراً ما اختلفنا مع غيرنا، إما على فكرة أو رأي أو أو... وواجهنا العديد من المشكلات والمعضلات ليس بسبب اختلافنا على شيء بقدر ما هو عدم علم ودراية بكيف نسمح لعقولنا أن تعمل وتبدع، وتنتج التنوع والتعدد، وكيف نسمح لأنفسنا بسلوك سبل شتى في التجاوب مع كثير من اختياراتنا ورغباتنا دون أن نخدش أو نصدع علاقاتنا الاجتماعية، فيصبح الاختلاف نقمة علينا ومصدر وهن بدلاً من أن يكون عامل ثراء للأفكار والآراء، وكل ما هو ليس بأصل وثابتاً وله جذور شرعية، نختلف لنقترب لا لنفترق.
لدينا العديد من النصوص الشرعية التي تحث على الاجتماع وتقريب وجهات النظر، ومن القواعد الفقهية المهمة قاعدة: «الاجتهاد لا يُنقض بمثله». ومعنى هذه القاعدة أن من اجتهد بفكرة أو رأي، ليس مألوفاً لديك أو لا ترى بصحته، فلا تختلف وتفترق عن صاحبها، بل اجتهد مثله واطرح ما تصدقه وتؤمن به، وقد تجد قواسم مشتركة بين الرأيين أو الفكرتين، فيكون الاجتهاد ميلاداً لثمرة جديدة، فحمانا الاختلاف من الافتراق.
إن اتباع الهوى والتمسك بالرأي إلى حد التطرف، وحب التميز على الغير، بالإضافة إلى الغرور بالمواهب والقدرات الفائقة... إن كل ذلك من العوامل المؤدية إلى تحويل الاختلاف النافع إلى افتراق، يحمل ملامح الخذلان والإحباط والفشل.
فنحن لا نريد التطابق في العقول والأفكار والآراء، أي أننا لا نريد تصفير الخلافات بيننا بسبب اعتقادنا بعدم أهمية وجودها، وأيضاً لا نريد لما يجري بيننا من خلاف يصدع ويمزق ويفرق علاقاتنا.
وإن الإدارة بما هي فن للتفاوض وترتيب الأولويات وتنظيم عمليات التدافع والتنافس... هي الأداة الأفضل للتعامل مع معادلة الاستفادة من مكاسب الاختلاف والتنوع، وحماية علاقاتنا من التصدع والتفتت.
mona_alwohaib@