وفق صلاحيته الدستورية الحصريّة، تكرّم حضرة صاحب السمو أمير البلاد باعتماد مرسومَي العفو الخاص عن ثلاثة مجاميع من المواطنين الذين تمت إدانتهم في إحدى قضيتي المجلس والعبدلي. حيث أعفيت الأولى من تنفيذ العقوبة، والثانية من تنفيذ باقي المدّة، في حين خفّضت مدّة عقوبة الثالثة إلى النصف.
فابتهجت الكويت وتوجهت قلوب الكويتيين نحو تفاصيل الدفعات اللاحقة من مراسيم العفو الأبوي. ثم بدأ البعض، ومن بعدهم كثيرون، يتساءلون ويحللون مسيرة مشروع العفو ويقَيّمون أطرافه.
في دور الانعقاد الأول من مجلس 2016، قدّم مجموعة من نوّاب المعارضة ثلاثة اقتراحات بقوانين في شأن العفو الشامل عن مداني قضية اقتحام المجلس، ولكنها سقطت في نفس الدور.
ثم في دور الانعقاد الثاني، وتحديداً في تاريخ 5/3/2018، تقدّم النائب السابق خالد الشطي باقتراحين بقانونين في شأن العفو الشامل عن مداني قضية العبدلي والنائب السابق عبدالحميد دشتي.
هذان الاقتراحان بقانونين أشعلا هجمة شرسة على الشطي من جبهات مختلفة، من جميع أطياف المجتمع.
وبعد يومين من تقديم اقتراحي الشطّي، تقدم خمسة نوّاب من المعارضة باقتراح بقانون للعفو الشامل عن مداني اقتحام المجلس.
الاقتراح بقانون الذي قدّمه الشطّي، وتصريحه اللاحق من المنصّة البرلمانية في شأن الاقتراح، كانا أول مطالبة علنية بضم مداني قضية العبدلي في مشروع العفو المنشود.
حيث كانت هذه المطالبة مقتصرة على المجالس الخاصة بأهالي وأقرباء ومعارف المدانين في القضية، ومعهم المتعاطفون المطّلعون على حيثيات التحقيق وتطوّرات القضية.
ومن أجل استحضار الحالة في تلك المرحلة، أستشهد بتصريح النائب السابق ناصر الدويلة في لقاء حواري متلفز خلال فترة الانتخابات الأخيرة، حيث جاء فيه «يجب أن نُقر، إنّ حنا كمجتمع ظلمنا هالشباب، حنا اتهمناهم جابوا أسلحة ولا نسمح لأحد يتناقش في القضية هذي، واتّهمناهم انهم تخابروا مع إيران ولا نسمح لأحد يتناقش في القضية هذي. وبالتالي أي إنسان يُخوّن في وطنيته، يكون موقفه ضعيفا وأهله ضعاف».
المعارضة رفضت بشدّة فكرة ضم مداني العبدلي إلى أي مشروع عفو، بحجّة أن قضيتهم تمس أمن الدولة، وكثّفت حملتها الإعلامية المعادية للفكرة، وقابلتها تصريحات مؤيّدة للفكرة من قبل مجموعة من النوّاب.
كان من بين أبرزها تصريح الشطّي الذي اعتبر فيه أن مداني قضية العبدلي أولى بالعفو من مداني اقتحام المجلس.
بعيداً عن آرائنا تجاه الإدانات الباتّة من محكمة التمييز في قضية العبدلي، الكل متّفق على أن الإدانات خطيرة، ولكن محور الاختلاف هو: هل يجوز العفو عن مدانين في قضايا مسّت أمن الدولة؟ وللإجابة عن السؤال، أستشهد برأي الدكتور غانم النجّار أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، الخبير الدولي المعتمد لدى عدد من المنظمات الدولية، الحائز على جوائز دولية متعدّدة في مجال حقوق الإنسان، من بينها «جائزة المراقب الدولي» من منظمة «هيومن رايتس ووتش».
حيث صرّح الدكتور النجار في لقاء حواري متلفز في بداية العام الجاري، أن سجلّ دولة الكويت يزخر بسوابق عفو عن جرائم «يشيب لها الرأس» - وفق تعبيره - تفوق في جسامتها على الجرائم المشمولة في مقترحات العفو المتداولة في الساحة. المراد أنه لا يوجد محذور وطني يحظر العفو عن المدانين في قضايا أمن دولة.
مشروع العفو استمر في الغليان على مدى الخمس سنوات الأخيرة، ولم تتغيّر معادلته السياسية إلا بعد تدخل النائب الدكتور عبيد الوسمي، حين نجح في تقويم شق المعارضة من تلك المعادلة، وتحقّق العفو برغبة سامية.
فشكراً لوالد الجميع «نوّاف الكبير»، وشكراً للوسمي ولكل من قاوم تمرير مشروع العفو الفئوي، كُلّ بقدر جهوده وما تعرّض له من إساءات وحملات تشويه... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com