رأي قلمي

وثيقة المدينة...!

تصغير
تكبير

جاء في نص المادة 44 من وثيقة المدينة: (وأن عليهم النصر على من دهم يثرب).

كما جاء في نص المادة 39: (وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة).

وجاء في نص المادتين1و2: ((هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم، وأنهم أمة واحدة من دون الناس)).

إن العالم اهتدى إلى ما أسسه الإسلام في العلاقة بين المواطنين. فلماذا لا نرجع إلى وثيقة المدينة لإعادة النظر في العديد من المشكلات السياسية التي نعاني منها.

الإدماج الاجتماعي للمكونات الوطنية كافة بات اليوم من المهمات الكبرى للدولة بأجهزتها المختلفة، بينما لو رجعنا إلى الوراء نجد أن المجتمع كان يملك أدوات اندماجه بعيداً عن الحاجة إلى الدولة، من خلال ما نجده في الروابط والأنشطة التي توافرها العائلة الممتدة والقبيلة والعشيرة والجماعة والتجمعات والهيئات وغيرها... وبعد أن تغلغلت الدولة في كل مفاصل الحياة الاجتماعية أخذت أدوات الإدماج تضعف تدريجياً إلى أن صارت الدولة هي المحور الأساسي في ذلك، وصار واجبها تحمل الأعباء والأدوار التي كانت عهدة الروابط والهيئات التقليدية.

لا نعني بالاندماج أن نجعل المواطنين نسخاً مكررة، لكنه يعني ألا يكون التنوع الاجتماعي الموجود في المجتمع مانعاً من تواصل المواطنين وتراحمهم واحترام بعضهم بعضاً، وألا يكون حائلاً دون تشكيل فرق العمل والفرق التطوعية، إلى جانب تفهم الخصوصيات مع قدر من التطابق في فهم ظروف البلد والتحديات التي يواجهها.

حان الوقت لوقف التراشق، وتبادل الاتهامات، وظن السوء فيمن يخالفني، وتخوين من يعارضني، حان وقت الفصل ما بين الأشخاص والأفكار، وعدم خلط الأوراق، وقلب الطاولة على كل من لا يؤيد أفكاري وآرائي.

من يستحق العفو فليعفوا عنه، ومن يستحق العقاب فليعاقب، لا بد من تساوي جميع المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات، ما دام لكل مواطن في بلاده حصة اعتبارية كأي مواطن آخر، فمن حقه أن يُعامل كما يعامل غيره، وهذا يرتكز على مفهوم إسلامي شرعي، ومفهوم إنساني عالمي واحد، ويعني أن على الدولة أن تقف على مسافة واحدة من جميع المواطنين، وعن طريق هذا المبدأ سوف تستطيع تشكيل الأمة السياسية وتأمين قدر جيد من الأمن والاستقرار والتعايش الوطني، كما استطاعت دول كثيرة. ونحن الآن في عصر الحريات وحقوق الإنسان، صار الناس حسّاسين جداً تجاه التصرفات غير العادلة لحكوماتهم.

وفي الختام، لا أحد يجهل أن طريق العدل الاجتماعي والثقافي وطريق الوئام الوطني، طريق طويل، والانتكاسات في السير نحوه دائماً متوقعة، وهو يحتاج إلى صبر ومثابرة، مع اليقظة بالعوامل التي تغذي البعض بالكراهية والاستعداد للاقتتال والانقسام، ولا بد من الانتباه إلى تصدع البنى العميقة للمجتمع.

M.alwohaib@gmail.com

‏@mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي