No Script

خواطر صعلوك

الخِمار الأسود... والبكيني الأحمر!

تصغير
تكبير

يَحكي ابن خلكان في كتاب وفيات الأعيان، أن تاجراً قدِم إلى المدينة ومعه «حجابات سود»، فلم يجد لها شارياً ولا طالباً، حيث كانت «موضة» الحجاب الأسود قد بدأت بالاختفاء، وظهر بدلاً منها الحجاب الملوّن بعد خمسين سنة من وفاة سيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فتكدّست بضاعة التاجر وضاق صدره، حتى قرّر أن يذهب إلى «مسكين الدارمي» وهو شاعر موصوف بالظُرف والخلاعة قبل أن يتوب إلى الله، ويعتكف في المسجد ويرتدي زي المتصوفين.

فقال له التاجر:

- أنا رجل غريب، وليس لي بضاعة سوى هذه، وأتوسل إليك أن تساعدني.

فقرّر «مسكين الدارمي» أن يساعده، فخلع لبس المتصوفين، وارتدى زي الشعراء الماجنين، وخرج من المسجد، وسار في ممرات المدينة وهو يردد:

قل للملِيحة في الخمار الأسود... ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبّدِ

قد كان شمّر للصلاة ثيابه... حتى قعدتِ له بباب المسجد

رُدّي عليه ثيابه وصلاته... لا تقتليه بحق دين محمد.

فشاع بين الناس أن «مسكين الدارمي» قد رجع إلى ما كان عليه، وأحبَّ واحدة ذات خمار أسود، فلم يبقَ في المدينة ظريفة أو خفيفة من الفتيات، إلّا وطلبت من التاجر خماراً أسود.

فباع التاجر بضاعته التي كانت معه بأضعاف ثمنها، لكثرة رغباتهن فيها، ورحل التاجر ومعه أكياس الذهب والفضة، وعاد «مسكين الدارمي» إلى تعبّده وانقطاعه عن الدنيا.

تتفجّر لديّ الكثير من الأسئلة في كل مرة أقرأ فيها هذه القصة... وأشكك في حدوثها أحياناً، فكيف لرجل مثل مسكين الدارمي أن يلعب دور مندوب مبيعات بهذه الطريقة بعد أن تاب وانقطع عن ملذات الدنيا، ولكني أقول لنفسي إنه أراد للخِمار الأسود الانتشار، ولعله أراد خيراً لشيء يراه في قلبه والله مُطلعٌ على نواياه.

ولماذا الظريفات والخفيفات يشترين «الخُمر السود» فقط لأنه شاع بين الناس أن «مسكين الدارمي» أحب واحدة ذات خمار أسود؟

ولكنني أتراجع عن هذا التشكك عندما ألاحظ ما يحدث في المجتمع اليوم، وأقول لنفسي «لا جديد تحت الشمس»، فالتاريخ يُعيد نفسه مرة على شكل شاعر، ومرة على شكل فاشينستا، مرة على شكل تاجر خُمر ومرة على شكل مروّج خَمر، وسواء قلت أبياتاً من الشعر، أو طلبت من المتابعين أن يرفعوا الشاشة فوق، ففي كلتا الحالتين دائماً هناك ضحايا التقليد الأعمى، ودائماً هناك التاجر والمُروّج والضحية، ولا فرق بين الخِمار الأسود أو «البكيني» الأحمر، طالما أن ارتداء الاثنين من أجل الآخر... وكل فعل لا يُذكر فيه اسم الله...أبتر.

Moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي