No Script

رثاء/ هذا أبي


أحمد البستان
أحمد البستان
تصغير
تكبير

والدي الغالي، هو الأستاذ الدكتور أحمد البستان. ولد في سنة 1938 وانتقل إلى رحمة الله في 24 سبتمبر 2020، تاركاً بعده زوجته المخلصة، وستة أبناء، وسبعة عشر من الأحفاد.

تربى الأبناء والأحفاد تحت ظله ومساندته الدائمة، ومحبته غير المشروطة.

عشت عمري تحت عيني والدي الاستاذ الدكتور أحمد، ورأيته رجلاً جمع الإباء والتواضع، وجمع الحكمة والبسمة في فردٍ واحد. كان كما هو متوقع من أستاذ شديد الإيمان بالتعليم، لكنه زاد عليه تبشيره المستمر بأهمية العلم والتعلم، حتى أنه ما خلا حديث له من ترديد «اطلبوا العلم ولو في الصين».

كان أبي يرى التعليم هو السلاح الأهم لمن يمتلكه في المستقبل، والمعول الأفضل لبناء الشخصية والوطن.

من آثار عشقه للعلم والتعلم وحرصه الشديد عليهما، هو أن جميعنا، نحن أبناؤه، أكملنا دراساتنا الجامعية الأولية، وأتبعناها بالدراسات العليا.

والدنا، رحمه الله وغفر له، لم يقتصر تشجيعه وتحفيزه لطلب العلم، على أبنائه وأحفاده المتصل بهم بالدم، بل امتد تشجيعه ونصحه وحثه على الدراسة إلى المئات من أبنائه الشباب والشابات، المتصلين به فكراً وحباً، لاستكمال دراستهم وتحقيق أهدافهم، يشهد له -رحمه الله- أبناؤه الطلبة، كما نشهد نحن أبناء لحمه ودمه،على حسن توجيهاته وإخلاص إرشاداته.

كان دائم الحرص على أن يأخذ كل مجتهدٍ مسؤولياته على محمل الجد، وأن يقدم المتعلم علمه، خدمةً للمجتمع والوطن بإخلاصٍ وتفانٍ.

حتى أنّ كلماته مازالت تتردّد بأذني «لا تسأل عما قدم الوطن لك، بل اسأل عما يمكنك أن تقدمه للوطن».

لقد كان والدي الحبيب رحمه الله، صاحب قلب كبير، يمتلئ حباً للناس، كريماً معطاءً يحترمه الجميع من دون استثناء.

كان دائماً على أتم الاستعداد لمد يد العون والمساعدة لمن حوله، مردداً باستمرار «عاملوا الناس بذات الدرجة من الاحترام، وتماماً كما تودون للآخرين أن يعاملوكم».

على هذه المبادئ والقيم، ربانا أبي، وكما أُلّفت قلوب الناس من حوله، فكسب الكثير من الاصدقاء المخلصين، نعمةً من الله، تبعتنا محبة واحترام الناس حولنا.

كان والدنا والد التفاؤل أيضاً، يُردّد علينا دائماً: think pink، أي فكّر برؤية زهرية.

بهذه النظرة يرى أبي العوائق والمشاكل تختفي أمام زهور طموحات الإنسان وتغريدات إنجازاته.

حتى خلال فترات معاناته الصحية وصراعاته مع الأمراض المختلفة، ومنها مرض السرطان الذي توفي فيه، كان يبتسم باستمرار ابتسامته الوردية، ويقص علينا قصصه المشوّقة ذات الأهداف التربوية.

استمر والدي - رحمه الله - عليه في تعليمنا وإعطائنا الكثير من النصائح دافعاً بنا لاتخاذ القرارات الصائبة، إلا أنه يُذكرنا - رحمه الله - بأنه «ما لم يعلمه لك الأبوان، سيعلمه لك الزمان».

بهذا وضعنا على الطريق الذي نكون به مستقلين ومسؤولين، وممن يتعلم من الزمان، إذا ما بأحداثه أعطانا الدروس.

رغم ولعه بالتدريس والتوجيه، لم يفرض - رحمه الله - علينا شيئاً، بل فضّل إرشادنا من بعيد، تاركاً لنا حرية الاختيار وتحمل النتائج.

في هذا كان دائماً ما يستشهد بـ«يمكنك أن تسحب الحصان إلى الماء، ولكن لا يمكنك أن تجبره على شربه».

وعلى الرغم من أن أستاذي الأول، وملهمي الأفضل، ووالدي الغالي أحمد، قد غادر عالمنا هذا، إلا أن روحه الطيبة حولنا وذكراه المتدفقة فينا، ستبقى إلى الأبد.

لقد ترك لنا والدنا ذكريات جميلة، ومقولات حكيمة ودروساً سنبقى دوماً نثمّنها، فهي التي شكلتنا على ما نحن عليه، وبها نمضي لإكمال مسيرته والمحافظة على ذكره.

بعد مرور سنة على رحيله المفجع لنا، وفي هذا اليوم ومنذ سنة، أصبحنا بلا أب، ومزّقنا الألم على فراقه.

إلا أن إيماننا بالله العلي العظيم، واعتقادنا أن والدنا، بأذن الله، في مكان أفضل وعند ربٍ رحيم، يخففان من آلمنا.

ندعو الله تعالى، أن يكون والدنا، رحمه الله، فخوراً بنا على قدر فخرنا واعتزازنا به.

كنا عائلةً نالت حظاً أن يكون أبوها رجلاً شهماً ومعلماً رائعاً.

سأحبك دائماً... وأفتقدك دائماً، مؤمنةً بقضاء الله وقدره... والدي الحبيب.

* ابنتك سوزان أحمد البستان

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي