«الحضور»... في قلب تاريخ الكويت

يعتبر صيد الأسماك بواسطة «الحضور»، من الطرق المهمة والمنتشرة في الكويت قديماً، حتى وصل عدد المرخص منها، حسب إحصائية الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية 570 حضرة، حتى صدور قرار من مجلس الوزراء في 2005 بإلغاء رخصها، وإزالتها على مرحلتين: الأولى، من رأس الأرض في السالمية وحتى رأس الصبية شمالاً، والثانية من رأس الأرض وحتى الحدود الجنوبية مع السعودية، حيث لم يتم تنفيذ هذه المرحلة، ما قلص عدد «الحضور» إلى 10 فقط.

«الراي» التقت صانع «الحضور» وأستاذها جابر سيف الجروان، الذي قال إن صيد الحضرة طريقة سهلة ولا تحتاج إلى القوارب أو السفن، هي أمام أعيننا على امتداد السواحل وحول الجزر، مؤكدا أن العمل بها مجهد ويحتاج صاحبها إلى مساعد أو اثنين حسب مساحتها.

دعوات لإحياء السياحة الجيولوجية في البلاد

منذ يوم

عجلة التشجير والتخضير... تدور في مايو

منذ يومين

وأضاف الجروان أن تسمية الحضرة جاءت لأنها تجذب وتحافظ على السمك، وهي جالبة له.

بحرية... وبرية وأوضح أن «الحضور» البحرية أيام القيظ (الصيف الحار) وتنصب بعيدة قليلاً عن الساحل، وتصطاد أسماك الزبيدي - الطلاح - الشيم- مشماهي - البالول - الهامور - الضلعة - لحلاح - حف - لخمة - حياسة - الجرجور الصغير - جليب الدور أبوفجيج وجم... الخ.

أما في الشتاء فتنصب قريبة من الساحل وتسمى الحضرة البرية، وتصطاد: الميد- البياح- الصافي- يميام - قباقب- العوم- الشعم- اليواف- حاقول- الوصر- المزلفان والسلس، منوها إلى أنه لا يوجد ثلج في الجزر، ولا يمكن أن نحافظ عليه إن حصلناه من الديرة، وللحفاظ على الأسماك نقوم بشق البطن ووضع الملح، حتى نحفظها من التعفن.

أسماك سامة... وضارة وذكر الجروان أن الحضرة تصيد بعض الأسماك السامة أو الخطرة، أو التي لا تؤكل مثل «اللخمة».

وهي حيوان بحري يلسع كالعقرب، له ذيل طويل في أوله شوكة تفرز السم وتصيب الإنسان، وكذلك أسماك النصيفي - الطبيخي - الرعادة - السقية، وهي كثيرة اللحم، ونحن لا نأكلها، أيضاً «الجمة» وجمعها «جموه» سمك لونه أسود رديء الطعم، موسمه في الربيع ويعرف عند العرب باسم سمكة «الجري». وفي سوقنا كل الأنواع حتى «خثاقة» تعرف بالحبارة، تفرز مادة سوداء كالحبر.

التكوين والتصنيع وتحدث الجروان عن مكونات الحضرة من ثلاثة أجزاء رئيسية أساسية، وهي: الجناح والحضن والسر، وتصميمها يسمح بدخول الأسماك إلى السر، ويمنع خروجها منها، ومن الممكن أن يخرج السمك لأن فتحات السر واسعة. والسر عبارة عن مسطحين عموديين، وحوض في داخل الحضرة.

وقال إن الحضرة تصنع من كلامة من البوص، وحبل الكلامة مصنوع من ليف جوز الهند، والكلمة هندية تعني حبل القنب، وهذه المواد لا تدوم طويلاً في الماء، من 5 إلى 7 أشهر بسبب التلف فتسقط الحضرة، وبعد التطور في صناعة «الحضور» بدأنا نستخدم السيم (سلك معدني يكون من النحاس أو الحديد)، خاصة سيم أبو «ديك» مع البردي (البردي الهندي) وتصل تكلفة صناعتها إلى 1600 دينار، حسب حجمها.

صيانة الحضرة وأشار إلى أنه يتوجب على صاحب الحضرة أن يتواجد دائماً بقربها، خاصة أيام الصيف، لتنظيفها بشكل يومي، حتى لا يتجمع السمك الميت وبالتالي تخيس الحضرة.

وأكد أهمية نظافة الحضرة والحفاظ عليها من الشوائب، خاصة «النو» وهو ما يلتصق في بوصها أو حبالها، وهو عبارة عن طحالب وقشور تشبه القواقع الصغيرة، فهذه المواد تضر وتقضي على الجهود وعلى الصياد أو صاحب الحضرة أن يقوم بتنظيفها، حتى تدوم لمدة 6 ـ 7 أشهر، فالحضرة التي لها صيانة أسبوعية أو أقل تعطي أكثر.

«حضور» العوازم... والمبعوث العثماني

أكد الجروان أن الصيد بـ»الحضور» مهنة قديمة للأجداد، ويكفيها فخراً أنها ثبتت حدود الكويت الشمالية من جهة خور عبدالله. وروي أنه عندما «سأل المبعوث العثماني أصحاب (الحضور) من العوازم عن ملكيتها ومن هو حاكمهم؟ حيث أكدوا له أنهم من رعايا الشيخ مبارك الصباح، وتحت حكمه، وأن (الحضور) ملكهم»، مما استند عليه العثمانيون، وثبتوا الحدود الشمالية للكويت.

متى كان الميد بـ 5 دنانير؟

أوضح الجروان أن بحر الكويت سلة غذائية لمعظم الأسماك، وبحر الخليج العربي من المناطق ذات الإنتاجية العالية، مستغرباً أن «نستورد الأسماك المجمدة من الهند وباكستان وبنغلاديش، وبحرنا مليء بنعم الله ويعتبر مخزوناً إستراتيجياً لها، ونتيجة لذلك ارتفعت الأسعار، وضاعت الأسماك المحببة على الموائد الكويتية، وإلى متى يباع الكيلو من الميد في الكويت بسعر 5 دنانير؟».

«اللوهة» أحلى... من الدجاج

قال الجروان إن الحضرة لا تحمي الأسماك من الطيور، حيث يأتي الطير وينزل في الحضرة ويأخذ ما يريده، ونحن نقوم بصيد الطيور وأكلها، خاصة طائر اللوهة وهو أسود اللون بحجم الدجاجة، ولحمه أحلى من الدجاج.