No Script

منطق اللامنطق الروسي... في سورية

تصغير
تكبير

لا يمكن الاستخفاف بما هو على المحكّ في جنوب سورية حيث يتبيّن أن روسيا تدعم النظام الاقلّوي السوري مباشرة من جهة وتشجع ايران على تكثيف وجودها في تلك المنطقة من جهة أخرى.

لماذا ترفض روسيا اخذ العلم بانّ النظام السوري مرفوض من شعبه وانّ لا مستقبل له؟ لا تفسير لمثل هذا الرفض الروسي على الرغم من مضيّ اكثر من عشر سنوات على اندلاع الثورة الشعبيّة على النظام القائم الذي يرفض ان يكون السوري اكثر من خانع له!

من الواضح أن روسيا ترفض ان تتعلّم من تجارب الاتحاد السوفياتي. لو كان للنظام السوري القائم منذ العام 1970 أي مستقبل من ايّ نوع، لكانت كلّ من بولندا وألمانيا الشرقيّة ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا (صارت دولتين هما تشيكيا وسلوفاكيا) وهنغاريا ورومانيا وبلغاريا لا تزال بمثابة جرم يدور في الفلك السوفياتي، السعيد الذكر.

ما يطرحه الروس في ما يتعلّق بمستقبل الجنوب السوري يصبّ في خدمة مشروع يستهدف احداث تغيير ديموغرافي دائم في تلك المنطقة السنّية - الدرزية الحيويّة التي لديها امتداد طبيعي مع الأردن وحتّى مع جنوب لبنان.

إلى ذلك، إنّ وجود الميليشيات الايرانيّة على حدود الأردن يسهّل تهريب كل أنواع البضائع، بما في ذلك المخدرات الى دول الخليج العربي!

يبدو الموقف الروسي من تلك المنطقة الحساسة غريباً الى ابعد حدود، خصوصاً انّه سبق لموسكو ان تعهدت منع ايران من إيجاد مواقع عسكريّة دائمة في الجنوب السوري في مقابل الحدّ من الهجمات الإسرائيلية على أهداف محدّدة في محيط دمشق.

ليس الموضوع موضوع حماية إسرائيل بمقدار ما أنّه مرتبط بخلق واقع جديد على الارض لا يهدّد مستقبل سورية، هذا اذا كان لها مستقبل، فحسب بل يهدّد الأردن ولبنان أيضاً.

يطرح الموقف الروسي بالفعل أسئلة لا أجوبة عنها، أقلّه في المدى المنظور. من بين هذه الأسئلة ما مصلحة موسكو في حماية الوجود الإيراني في سورية؟ تصعب الإجابة عن مثل هذا السؤال الّا اذا كان مطروحاً لعب موسكو لدور الوسيط بين ايران وإسرائيل من أجل تسهيل صفقة بين «الجمهوريّة الاسلاميّة» و«الشيطان الأصغر» يضمن بموجبه الطرف الإيراني خط وقف النار بين سورية وإسرائيل ولبنان إسرائيل في مقابل اعتراف بأمر واقع ما.

يتمثّل الامر الواقع هذا في ان يكون لبنان وسورية تحت السيطرة الإيرانية مع حفظ للمصالح الروسيّة في البلدين...

يمكن القول ان مثل هذه النظريّة المتعلّقة بحفظ ايران، عبر ميليشياتها، أمن إسرائيل على حدودها الشماليّة من نسج الخيال. لكنّ ليس ما يمنع التساؤل عن المنطق الروسي، وهو منطق اقرب من اللامنطق اكثر من ايّ شيء آخر.

مثل هذا التساؤل اكثر من مشروع في ضوء الإصرار على تهجير قسم من أهالي درعا وإبقاء دروز السويداء والقرى المحيطة بها موضع ابتزاز دائم تحت تهديد «داعش» او الميليشيات الايرانيّة، لا فارق.

قد يكون التفسير الوحيد الذي يمكن الاستعانة به، من أجل فهم المنطق... او اللامنطق الروسي الذي لا يأخذ في الاعتبار مصلحة الأردن، تاريخ علاقات موسكو بالمنطقة منذ خمسينات القرن الماضي.

لم يتغيّر شيء بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. لا تزال روسيا تتصرّف بالطريقة ذاتها من منطلق وجود منافسة بينها وبين اميركا.

من هذا المنطلق، ليس مهمّا ما يحل بهذه الدولة العربيّة او تلك. المهمّ ان تستخدم روسيا المنطقة العربيّة بغية تأكيد انّ لديها دوراً تلعبه في مواجهة الدور الأميركي.

يبدو واضحاً انّ الكرملين يرى في إدارة جو بايدن إدارة ضعيفة وحائرة.

يؤكّد ضعفها طريقة الانسحاب من أفغانستان. يؤكّد حيرتها غياب أي مشروع أميركي بالنسبة الى سورية او العراق.

حسناً، ستستغل موسكو هذا الضعف وهذه الحيرة ولكن من أجل تحقيق أي هدف... غير هدف خدمة إيران؟

من يعود بالذاكرة بضعة عقود الى خلف، يكتشف انّ روسيا، وقبلها الاتحاد السوفياتي، لم يقدما يوماً على عمل بناء في المنطقة العربيّة كلّها، اللهمّ الّا اذا وضعنا السدّ العالي جانباً.

تظلّ سورية المثال الأبرز على الفشل الروسي والسوفياتي.

شجعت موسكو في كلّ وقت على استمرار حال اللاحرب واللاسلم التي اتبعها حافظ الأسد منذ خسارته الجولان في العام 1967.

من الالغاز التي لا تزال الغازاً أنّ موسكو لم تحذر جمال عبدالناصر من دخول مغامرة حرب 1967 التي جرّه اليها النظام البعثي المزايد في سورية.

الأكيد أن موسكو كانت على علم تام بنتائج تلك الحرب قبل اندلاعها، لكنّها لم تقم بايّ عمل مفيد من اجل الحؤول دونها.

كان رهانها الدائم على انّ العربي الضعيف سيكون اكثر حاجة اليها من العربي القويّ.

في النهاية، لو اتكل أنور السادات على نصائح الاتحاد السوفياتي، لكانت سيناء بنفطها وغازها ومناطقها السياحيّة، مثلها مثل الجولان والقدس الشرقيّة والضفّة الغربيّة، تحت الاحتلال الإسرائيلي الى اليوم.

تعرف روسيا قبل غيرها انّ الشعب السوري يرفض بأكثريته الساحقة النظام القائم. كذلك، تعرف ان ايران لا ترى لنفسها مستقبلاً في سورية من دون تغيير ديموغرافي في العمق يشتّت السنّة ويهجرهم الى خارج سورية والى مناطق معيّنة في الشمال السوري حيث الهيمنة التركيّة.

ما ليس معروفاً هو لماذا الاستمرار في هذه السياسة التي لن تجلب سوى مزيد من الخراب الذي سيلحق أيضاً بدروز سورية وليس بالسنّة وحدهم في منطقة حوران ودرعا البلد على وجه التحديد.

الى اين ستأخذ روسيا سورية؟ ستأخذها الى مزيد من التفتت لا اكثر والى وضع يشكل تهديداً للبنان والأردن في الوقت ذاته. اين مصلحة روسيا من كلّ ذلك؟ ثمّة من يعتقد انّ الاميركيين في عهد جو بايدن غير مهتمّين بالمنطقة وسيقبلون بان تتسلّمها روسيا التي لم تتردّد يوماً في ان تضع نفسها في خدمة ايران.

تبدو مثل هذه المعادلة الطريق الأقصر الى مزيد من التدهور والضياع في منطقة تحتاج الى حدّ ادنى من الاستقرار اكثر من أي وقت!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي