No Script

خيار الاستسلام أمام «طالبان»... سياسة بايدن

تصغير
تكبير

ليس لدى إدارة جو بايدن أيّ عذر تبرّر به الهزيمة التي لحقت بها في أفغانستان، وهي هزيمة ستكون لها انعكاساتها على مجمل السياسة الأميركية في العالم ونظرة الحلفاء الى هذه السياسة والى الولايات المتّحدة نفسها.

كشفت الهزيمة أنّ في واشنطن إدارة لا علاقة لها بما يدور على الكرة الارضيّة بعدما أقدمت على خطوة الانسحاب من أفغانستان بطريقة عشوائيّة.

كذلك، كشفت الهزيمة عجز الإدارة عن فهم التقارير المرسلة إليها عن الوضع الداخلي في أفغانستان واستيعابها. كشفت أيضاً جهلاً في «طالبان» وفي تركيبتها وعجزها عن تغيير سلوكها، فضلاً عن سبب عجز الإدارات الأميركية منذ العام 2001 عن إيجاد نظام قابل للحياة يحكم أفغانستان انطلاقاً من كابول.

كان مفترضاً في الادارة ان تدرك باكرا انّ «طالبان» لا يمكن ان تحمي الانسحاب الأميركي وان تمنع وقوع الهجوم الانتحاري على مطار كابول، وهو هجوم ادّى الى مقتل 13 من عناصر «المارينز» الاميركيين.

اكّد الهجوم انّ الرهان على «طالبان» في غير محلّه وان المفاوضات مع الحركة لا تقدّم ولا تؤخّر، لا لشيء سوى لانّ فكر هذه الحركة معاد لكلّ نوع من القيم الحضاريّة في هذا العالم، في مقدّمها التعاطي مع المرأة.

لذلك، لا يمكن التفريق بين «طالبان» من جهة و«القاعدة» و«داعش» بكل فروع هذا التنظيم من جهة أخرى.

لا يمكن أيضا الاستخفاف بالعلاقات بين ايران و«طالبان» او بين ايران و«القاعدة» و«داعش»...

بدأت الإدارة الأميركية الحاليّة عهدها حائرة، وذلك منذ دخل جو بايدن البيت الأبيض في العشرين من يناير الماضي.

يبدو أنهّا ما زالت حائرة.

إنّها إدارة حائرة في كلّ شيء وتجاه كلّ شيء وفي كلّ موضوع يُفترض بها مواجهته.

هذا جعل قوى عدّة، من بينها ايران تشعر بقدرتها على الاستقواء في شأن كلّ ما له علاقة بإدارة أميركيّة لا تريد أخذ العلم بأنّ أفغانستان تحوّلت إلى بؤرة يسرح فيها الإرهاب ويمرح مجدّدا.

ذهبت جهود عمرها 20 عاما هباء. امتلكت الإدارة الأميركية ما يكفي من الوقت لترتيب الانسحاب والتفكير في النتائج التي ستترتب على ترك أسلحة ومعدات، كانت لدى الجيش الافغاني، تقدر قيمتها بـ85 مليار دولار في يد «طالبان».

من بين ما تركته اميركا في أفغانستان 8 آلاف شاحنة عسكرية وأكثر من 22 ألف سيارة مدرعة و107 طائرات هليكوبتر، بينها 33 «بلاك هوك».

تطول اللائحة التي تشمل أجهزة رؤية ليلية ومئات آلاف قطع السلاح وأجهزة الاتصالات، لكنّ الاهمّ من ذلك كلّه انّ الاستسلام امام حركة «طالبان» كان خيارا أميركيّا.

الخوف الآن من تحوّل هذا الخيار الى سياسة رسميّة أميركيّة.

تلجأ إدارة جو بايدن الى حجة تستند الى انّ إدارة دونالد ترامب كانت من باشر التفاوض مع «طالبان» في الدوحة وانّه لم يكن من خيار بعد حرب استمرّت عشرين عاما سوى الانسحاب من أفغانستان عسكريا بدل الذهاب من تأجيل الى تأجيل.

نعم، لم يكن مفرّ من الانسحاب... لكنّ السؤال هل ضروري تحويل الانسحاب الى كارثة، خصوصا اذا اخذنا في الاعتبار اهمّية موقع أفغانستان والدول المحيطة بها من جهة وما على المحكّ في حال عودتها بؤرة للارهاب العالمي والتطرّف من جهة أخرى؟

ثمّة أسئلة أخرى ستطرح نفسها بعد الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان وما رافقه.

من بين هذه الأسئلة ما الذي سيمنع مستقبلا تسليم لبنان الى «حزب الله» والاعتراف به، أي بايران، قيّما على البلد؟ يبدو مثل هذا السؤال مشروعا اذا اخذنا في الاعتبار ان الاستسلام الأميركي أمام «طالبان» اعتراف بأمر واقع موجود على الارض ليس إلّا.

ما الذي يمنع تسليم سورية لإيران، خصوصا بعدما تبيّن ان لا وجود لسياسة روسيّة في هذا البلد وان موسكو ارتضت لعب دور الداعم للميليشات المذهبيّة الإيرانية التي تدعم بدورها نظاما اقلّويا يشنّ حربا على شعبه لا أكثر.

ما الذي سيمنع الانسحاب الأميركي من العراق وتسليم البلد الى «الحشد الشعبي»، الذي ليس سوى تجمّع لميليشيات مذهبيّة تابعة لايران؟ بعد الذي حصل في أفغانستان، ليس ما يحول دون ذلك... ما دامت الإدارة الأميركية تبحث عن كيفية تقليص دورها في العراق وسورية وبعدما ظهر ان بايدن ليس أفضل بكثير من باراك أوباما الذي نفّذ في العام 2011 انسحابا من العراق.

تبيّن ان الانسحاب الأميركي كان وقتذاك في مصلحة «الجمهوريّة الاسلاميّة» من جهة و«داعش» من جهة أخرى. لا تزال مدينة عريقة مثل الموصل تعاني الى اليوم من ظهور «داعش» ومن موقف المتفرّج الذي اتخذته حكومة نوري المالكي الموالية لإيران في صيف العام 2014!

لم يعد ما يحول دون استسلام الإدارة الأميركية في اليمن أمام الحوثيين (جماعة انصار الله) الذين انشأوا كياناً خاصاً بهم عاصمته صنعاء وحوّلوا هذا الكيان الى قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة ايرانيّة تستهدف المملكة العربيّة السعودية يوميّا. يظهر انّ ليس في استطاعة إدارة بايدن، التي أولت منذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض اهتماماً خاصاً باليمن، التعمّق أكثر في هذا الموضوع الخطير والمعقّد واستيعاب معنى قيام مثل هذا الكيان الإيراني في شبه الجزيرة العربيّة وابعاد ذلك.

ماذا بعد كارثة أفغانستان التي أظهرت ان جو بايدن مجرّد رئيس تقدّم به العمر لم يمتلك يوماً أيّ معرفة عميقة بالعالم، على الرغم من المواقع التي شغلها في مجلس الشيوخ وكنائب للرئيس طوال ثماني سنوات؟ لم يتعلّم حتّى من التجارب التي مرّت بها اميركا منذ خروجها المذلّ من سايغون في 1975 ومن استسلامها أمام ايران في 1979 عندما احتجزت السلطات في «الجمهوريّة الاسلاميّة» الديبلوماسيين الاميركيين 444 يوما؟

مفترض في بايدن الردّ سريعاً، هذا اذا كان يريد إنقاذ عهده المرشّح لان ينتهي باكرا حال استمرّ تدهور شعبيته وسيطر الجمهوريون على مجلسي الكونغرس في الانتخابات الفرعيّة المقرّرة في نوفمبر 2022. هل لديه ما يكفي من الشجاعة والرؤية للإقدام على عمل ما يثبت أن الاستسلام أمام «طالبان» ليس استسلاماً لاميركا أمام خصومها في العالم...

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي