المَعلَم التاريخي القائم على ضفاف الخليج يفتح ذراعيه للجميع بأبوابه الخشبية و«الدجّة» التي جلس عليها أهل الكويت
«البدر»... بيت الكويتيين
- سندس جوهر:
- البيت نموذج معماري مميز يعكس المظاهر الاجتماعية والاقتصادية والحضارية للمجتمع في القرن الماضي
- قيس البدر:
- والدي نبّه عمال الترميم لمخبأ سري للبارود في أحد جدرانه من أيام الحرب العالمية الثانية
- أحد الآثار القديمة فيه يظهر وجود اتصال ثقافي بالحضارات الأخرى
على ضفاف الخليج، يفتح بيت البدر التاريخي ذراعيه للجميع، بأبوابه الخشبية و«الدجّة» التي جلس عليها أهل الكويت وبركتها الذين رحلوا وتركوا خلفهم سيرة عطرة وماضياً جميلاً يصعب نسيانه.
فعبق الماضي يشع من البيت القديم تتزاحم فيه الذكريات، وتضج به حكايات الآباء والأجداد وضحكاتهم وآلمهم ومعاناتهم ووفائهم المعهود ونقاء قلوبهم الطاهرة.
«الراي» زارت بيت البدر، وجالت في أركانه الجميلة، برفقة مراقبة المباني التاريخية في المجلس الوطني للثقافة والفنون المهندسة سندس جوهر، كما التقت مع المؤرخ قيس البدر الذي ألّف كتاباً عن تفاصيل مكونات البيت الذي تعود ملكيته لورثة مالكيه عبدالعزيز وعبدالمحسن يوسف البدر.
تقول جوهر إن تاريخ بناء البيت يعود إلى ما بين أعوام 1837 - 1847 على مساحة 3020 متراً مربعاً، وفي 8 /8 /1996 تم تثمينه.
وأشارت جوهر إلى أن «البيت يقع في حي القبلة (فريج البدر)، ويطل على الخليج العربي، الطرف الغربي لشاطئ الخليج، وتوجد«نقعة البدر»مقابل البيت. ويعد البيت أحد البيوت الكويتية القديمة، التي تمثل نموذجاً معمارياً مميزاً، يعبر بوضوح عن المظاهر الاجتماعية والاقتصادية والحضارية التي كانت تسود المجتمع الكويتي في القرن الماضي.
كما أنه يمثل نموذجاً مميزاً من حيث التخطيط المعماري ومواد البناء المحلية التي حافظت على بقائها بحال جيدة على مر عشرات السنين الماضية».
وأفادت بأنه «تم استخدم اللبن (الطين) والصخر البحري في بناء بيت البدر، وطليت بجدرانه بواسطة الجص، وبني السقف باستعمال الجندل والباسجيل والبواري، ويرتفع السقف 4 أمتار عن الارض، أما جدران المنزل الخارجية فهي مغطاة بالطلاء وبها قليل من المداخل، وتعتبر واجهة البيت المقابلة للبحر هي الواجهة الأمامية والرئيسية للبيت حيث يوجد على جانبيها مقاعد حجرية تستخدم لجلوس الرجال، وقد استحدثت هذه المقاعد بعد استملاك البيت من قبل الدولة».
وفي موقف يعبر عن تاريخ البيت، قال قيس البدر إن «الوالد سعود يوسف البدر (المتوفى 1994 ) قال انه عند مروره ببيت البدر في الترميمات التي قامت بها وزارة الإعلام في السبعينات، لاحظ ان العمال القائمين على عملية الترميم يقومون باستخدام المعول بقوة في هدم أحد الحوائط في الواجهة الرئيسية للبيت، وقد اثار ذلك المشهد حرصه - رحمه الله - على سلامة العاملين وأمنهم، وبما انه من ابناء هذا البيت وعاش فيه سنوات طويلة من حياته، وعرف أسراره وأحداثه، فقد ذكر للعاملين على الترميم أن في هذا الحائط مخبأ سرياً لبعض البارود، والذي كان قد خبئ احتياطاً للطوارئ في أثناء الحرب العالمية الثانية. وتأكيداً لما قاله الوالد سعود يوسف البدر، فقد عثر العمال على المخبأ المذكور، وحرص المسؤول عن الترميم على نقل (كرات البارود) بتأن وتقديمها الى المتحف الوطني آنذاك».
وأضاف البدر أن «أحد الآثار القديمة في البيت يظهر وجود اتصال ثقافي والاحتكاك بالحضارات الاخرى كالهندية والأفريقية والفارسية وغيرها، في المزج بين فنون هذه الحضارات وإبرازها في نمط بناء البيت وتصميمه ولمساته العربية الاسلامية.
وتعتبر العقود المستخدمة فوق البيت الرئيسي من أبرز المظاهر المعمارية لهذا البيت، فقد بني العقد الواحد على هيئة نصف هلال، وذلك لتحقيق التلاحم بين هذه العقود، وهي تشكل قوساً كبيراً يتوسطه شكل زخرفي يمثل نصف وردة».
مدخل البيت الرئيسي المقوّس
في الواجهة الأمامية لبيت البدر مدخلان، الأول هو المدخل الرئيسي الضخم المقوس الذي يؤدي الى حوش الديوانية على اليمين.
بينما المدخل الثاني عبارة عن زوج من الأبواب يؤدي الى العمارة على اليسار، ويوجد في وسط كل من المدخلين باب إضافي صغير يعرف بباب (أبو خوخة) يصبح هو المدخل الوحيد للمنزل اذا ما أغلقت الأبواب الكبيرة.
ويوجد على أعلى جدران الواجهة الأمامية فتحات كانت تستخدم لاغراض التهوية (بواقدير)، أما الفتحات التي تعلو فوق مستوى السطح فكانت كلها تستخدم كأبراج للريح للتبريد في فصل الصيفن، وقد شاع استخدام هذه الابراج في بيوت الكويت قديماً.
الديوانية والغرف الملحقة بها
يمكن الوصول إلى حوش الديوانية من خلال البوابة الرئيسية للبيت التي تطل على شارع الخليج، حيث المرور عبر ردهة دخول طويلة تسمى (الليوان)، على جانبها مقاعد طينية مبنية للجلوس (دكة توضع فوقها وسائد)، وكان يجلس عليها كبار السن من أصحاب المرحوم مساعد الأحمد البدر - صاحب الديوان - وزملائه، ويحكى انهم كانوا يقومون بضبط ساعاتهم اليدوية التي كانت تعمل وفقاً للتوقيت العربي، كانوا يضبطونها عند غروب الشمس ويتنافسون في أيها يعمل بشكل أدق عند الغروب، وكان في هذا التنافس نوع من المزاح والترفيه، وعلى يسار الردهة يوجد باب صغير يؤدي الى حجرة كان اتساعها يسمح باستعمالها مخزناً.
ويؤدي الليوان في نهايته الى الساحة الواسعة الخاصة باستقبال الرجال «حوش الديوانية». وعلى يمين الليوان يوجد ليوان صغير عريض ذو سقف عال يشرف على حوش الديوانية عبر الطرف الشمالي.
وتقع الحجرة الرئيسية لاستقبال الرجال واستضافتهم «المجلس» بين هذا الليوان وحجرة المخزن، وكان يطلق عليها اسم الدار المربعة، وكان استخدامها يكثر في فصل الشتاء.
وهناك غرفة تسمى (أم دريشة) وهي مخصصة للأكل والولائم، وتقع بجوار (الدار المربعة)، وتطل على ليوان الحوش الديوانية، ويعتقد ان هذه التسمية جاءت بسبب وجود نافذة لهذه الغرفة تطل على البحر وتميزها عن الغرف الأخرى. (ودار أم دريشة) توجد في الركن الشمالي الغربي من البيت. وتوجد غرفة من بيت الغرف في حوش الديوانية من الجهة الغربية تسمى (أم اليواق) وكانت مخصصة لتحضير القهوة.
وكانت بقية الحجرات التي تحيط بحوش الديوانية غرفاً للتخزين، أو للنوم، أو حمامات ودورات للمياه، وكان هناك اتصال مباشر بين حوش الديوانية والشارع الخلفي عن طريق زوج من الابواب الخلفية، وفي الزاوية الجنوبية الشرقية بالقرب من هذه الابواب بابان آخران يؤديان الى حوش المطبخ ومنها الى حوش الحرم، وكان اكثر المداخل اهمية في حوش الديوانية هو الباب الذي يقع في منتصف الجدار الشمالي الشرقي. وفي وسط حوش الديوانية توجد بركة لتخزين الماء.
حوش الحرم... حجرات
للنوم والخدمات يوجد في منتصف الحائط الشمالي الشرقي لحوش المطبخ باب يؤدي الى الممر الذي يوصل الى حوش الحرم، وكان يسمونه (دريب)، ويوجد سلم ضيق ملتو يقع على الجانب الايمن للممر، ويؤدي هذا السلم أيضاً الى حجرة علوية جنوبية.
ويحتل ليوان الحرم جانباً ونصف الجانب من الحوش، وتفتح على هذا الليوان ثماني حجرات للنوم، ألحق بست منها غرف أصغر تستعمل حمامات ودورات مياه خاصة، وهذه تفصل عادة بين حجرات النوم وحوش المطبخ وحوش الغنم.
وفي الركن الشمالي من حوش الحرم يوجد ممر دخول منحنٍ ينتهي بباب خارجي يفتح عن طريق جانبي (سكة)، اما صف الحجرات الواقعة على الجانب الشمالي الشرقي لحوش الحرم، فقد قصد منه ان يستخدم حجرات اضافية لنوم أفراد العائلة بالرغم من عدم وجود ليوان أمامه لحمايته من أشعة الشمس، وفي الركن الشرقي يوجد ممر معقود يؤدي الى حوش أصغر يضم حمامات إضافية للنساء وحجرة، وسلم آخر يؤدي الى السطح.
وقد بنيت على السطح حجرتان مسقوفتان، الحجرة الاولى تقع في الطرق الجنوبي وتستغل للنوم ولها فتحات للتهوية، وفي الركن الشرقي للسطح تقع الحجرة الأخرى التي كانت تسمى البريدة وتستخدم لتخزين بعض أعلاف الأبقار.
وحوش الحرم يحتوي في وسطه على بركة ماء، كما توجد شجرة معمرة (سدرة)، كما استغل المرحوم مساعد الأحمد البدر احدى غرف هذا الحوش لتجليد كتبه الخاصة حفاظاً عليها من التلف، وذلك باستخدام آلة الكبس اليدوية. كما توجد الغرفة المخصصة لتخزين أواني الطبخ الكبيرة (القدور) في زاوية البيت جهة الجنوب الشرقي.
حوش المطبخ...
وسائل لتحسين المعيشة
يقع حوش المطبخ بين حوش الديوانية وحوش الحرم، ويتميز بوجود بئر ماء بالقرب من الحمام، ويصل ما بين البئر والحمام حائط مجوف يسمى بـ (القرو) يسمح بتخزين بعض الماء، ويميل هذا الحائط ناحية الحمام حيث كانوا يستثمرون هذا الوضع في نزول الماء بشكل متصل وانسيابي يشبه عمل (الصنبور أو الحنفية) حالياً وكانوا يعملون على التحكم في تدفق الماء بواسطة قطعة صغيرة من الخشب (سدادة) لسد فتحة نزول الماء في الحمام.
ويدل هذا التصرف من أهل الكويت قديماً على أخذهم بكل ما من شأنه تحسين الحالة المعيشية لهم، فتراهم يستغلون كل ما يريحهم ويعود عليهم بالنفع والراحة.
وفي حوش المطبخ توجد غرفة كبيرة ومجاورة للمطبخ كانت تستخدم لتخزين العيش «الأرز» ويذكر ان هذا المطبخ الوحيد الرئيسي كان دائم الحركة بسبب كبر حجم الاسرة في هذا البيت، ويمكن الاشارة الى ان ذاك الحوش كانوا يطلقونه على حوش المطبخ للتمييز بينه وبين كل من حوش الحرم وحوش الديوانية.
حوش الغنم
وهو عبارة عن ساحة صغيرة يمكن الدخول اليها عن طريق حوش المطبخ، ويوجد داخل حوش الغنم غرفة لتخزين السعف العريش الذي تستظل به الحيوانات، وغرفة خاصة للبقرة، ومجاورة لها تسمى «بيت البقرة»، وأدت هذه التسمية الى تسميته الحوش ايضاً، فأحياناً كان حوش الغنم يسمى حوش البقرة.
ومما يجد ذكره حرص أهالي الكويت على الرفق بالحيوانات، فكانت الاغنام تنعم بالظل عن طريق عريش تم بناؤه خصيصاً لها لتستظل به من وهج الشمس الحارة.
حوش العمارة...
مقر التجارة والحلال
العمارة حوش مستطيل الشكل في الركن الشمالي الشرقي من البيت تحيط به غرف كان يستخدم بعضها مخزناً، وتوجد فيه غرفة طويلة، كانت تستخدم مرابط للخيل في حياة الشيخ يوسف البدر، كما توجد غرفة لطاحونة الجريش «دار الرحى» وأخرى للدبس.
ويوجد ممر صغير يوصل العمارة بحوش المطبخ، اما الباب الرئيسي للعمارة فهو المطل على البحر، والذي يوجد بالقرب منه الى الداخل ميزان الخشب، حيث كان يستخدم في وزن الاخشاب، والعمارة هذه كانت تؤدي دوراً تجارياً من خلال ما تقوم به من اعمال في أجزائها المختلفة.
ماذا تعرف عن الباقدير؟
كان الكويتيون في الماضي، وقبل دخول المكيفات والمراوح، يستعملون الباقدير، وهو عبارة عن أبراج فوق أسطح المنازل لها عدة أبواب لا تزيد على أربعة، يصطدم بها الهواء فيدخل في تجويف يصل إلى داخل الغرفة ويلطفها.
والباقدير كلمة فارسية «باق» بمعنى هواء و«دير» بمعنى وقف، أي ماسك الهواء.
المطيري وزير «سوبرمان»
يعقد وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب الكويتي عبدالرحمن المطيري اجتماعات وورش عمل مستمرة، تصل إلى ساعات طويلة يقضيها الوزير الشاب في الاستماع لافكار العاملين في المجلس الوطني للثقافة والفنون، في سبيل تطوير العمل حيث يحرص على إيجاد رؤية وآلية عمل جديدة للاهتمام بالتراث الكويتي، حتى أنه يواصل عمله من ساعات الصباح حتى الفترة المسائية بنشاط وحيوية.
جهود كبيرة
من العبدالجليل والعدواني
يبذل الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كامل العبدالجليل، جهوداً كبيراً في الحفاظ على التراث القديم إلى جانب جهود الأمين العام المساعد لقطاع الآثار والمتاحف الدكتورة تهاني العدواني، في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، التي ساهمت بشكل كبير في الحفاظ على سلامة الممتلكات التراثية والثقافية والاثرية في الكويت.