No Script

أهمّية معركة البيضاء

تصغير
تكبير

الأكيد انّ للمعارك الدائرة في محافظة البيضاء اليمنية اهمّية خاصة نظراً الى انّها تخفّف الضغط الذي يمارسه الحوثيّون (انصار الله) على مدينة مأرب التي يسعون الى السيطرة عليها.

يمارس «انصار الله» ضغوطاً على مأرب استكمالاً لمشروع اقامة الدولة التي تدور في فلك ايران في شمال اليمن.

لم تجد القوّات التابعة لـ«الشرعية» اليمنية من خيار آخر غير التصدّي للهجمة الحوثيّة على مدينة مأرب التي يعني سقوطها اوّل ما يعنيه ضربة قاصمة لهذه «الشرعية» التي تحتاج الى اتخاذ مبادرات من كلّ نوع لاثبات انّه لا تزال هناك فائدة تذكر منها. من بين المبادرات التي يفترض في «الشرعيّة» اتخاذها الانخراط في معركة البيضاء بدل الوقوف موقف المتفرّج على ما يدور ثمّ ادعاء تحقيق انتصارات في مرحلة معيّنة.

جاء تحرير قسم من محافظة البيضاء ذات الاهمّية الاستراتيجية الكبيرة على يد قوات لا علاقة لها بـ«الشرعيّة» التي يمثلها الرئيس الموقت عبدربّه منصور هادي الذي يجري حالياً فحوصات طبّية في الولايات المتحدة.

لو كانت «الشرعيّة» ومعها الاخوان المسلمون الذين يمثّلهم حزب الإصلاح جدّيين في التعاطي مع موضوع البيضاء، لكان هناك لجوء الى سحب قوات من حضرموت وشبوة وابين (منطقة شقرا تحديدا) تمهيدا لارسالها الى البيضاء مجددا.

يمثّل ذلك ضرورة قصوى في ضوء مخاوف جدّية من استعادة الحوثيين المواقع التي خسروها في محافظة ذات حدود مشتركة بطريقة او باخرى مع مناطق عدّة، خصوصاً مع ست محافظات أخرى شمالية وجنوبيّة هي إب وذمار وشبوة وصنعاء (طريق بني ظبيان) وابين والضالع.

ستترتب على تحرير البيضاء من الحوثيين نتائج مهمّة من بينها اثبات وجود قوى محلّية مستعدة للوقوف في وجه التمدّد الحوثي الذي يشمل محافظة في غاية الاهمّية هي إب.

ليس سرّاً ان الحوثيين كانوا يسيطرون على البيضاء في ظلّ اتفاقات مع قبيلة الحميقان التي تضايقت أخيراً من تصرّفاتهم.

ليس سرّاً أيضاً أن «انصار الله» يراعون سكان المحافظات ذات الاكثريّة الشافعية اكثر بكثير من المحافظات الزيدية حيث يمارسون القمع الى ابعد حدود كما الحال في صعدة وعمران وذمار وصنعاء نفسها.

هناك معركة كبيرة تدور في البيضاء لا علاقة لـ«الشرعيّة» بها.

ليس معروفاً ما الذي ستؤول اليه هذه المعركة من نتائج في ضوء ارسال الحوثيين تعزيزات جديدة الى البيضاء خشية خروجهم منها.

في انتظار نتائج معركة البيضاء ستكون «الشرعيّة» على استعداد دائم لركوب الموجة في حال تحقّق انتصار.

كما العادة، ستكون مستعدّة لالقاء اللوم على الآخرين في حال لم يتحقّق مثل هذا الانتصار.

مثل هذا السلوك سبب اكثر من كافٍ لاعادة تشكيل «الشرعيّة» من جهة والسعي الى كيفية العمل من اجل افشال المشروع الإيراني في اليمن من جهة أخرى.

لا تزال الأمور في اليمن في غاية التعقيد.

يزيد هذا التعقيد غياب أيّ رؤية استراتيجية لـ«الشرعية».

كيف يمكن ان تتوافر هذه الرؤية في غياب «الشرعيّة» نفسها؟

في كلّ الأحوال، يبدو اليمن مقبلاً على مزيد من التشرذم والضياع والتجاذبات.

الأكيد ان تعيين السويدي هانس غروندبرغ مبعوثاً أممياً إلى اليمن لا يشير الى رغبة دوليّة في إيجاد تسوية في هذا البلد الذي انتقلت اليه العدوى الصوماليّة.

لا يمتلك الديبلوماسي السويدي الذي سبق له ان عمل في اليمن أي وسيلة لوقف الحرب.

ليس مستبعداً ان يكون مثله مثل الذين سبقوه، مثل المغربي جمال بنعمر والموريتاني اسماعيل ولد الشيخ والبريطاني مارتن غريفيث، شاهد زور آخر على المأساة اليمنيّة.

فقد انهى غريفيث مهمته الشهر الماضي من دون تحقيق أي تقدم على مسار السلام في اليمن.

كلّ ما فعله كان انجاز اتفاق ستوكهولم الذي بقي حبراً على ورق، لكنّه ساعد الحوثيين على الاحتفاظ بميناء الحديدة الذي كان يمكن اخراج «انصار الله» منه مثلما طردوا من عدن وميناء المخا.

لم يكن لدى «الشرعيّة» أي دور في ذلك.

معروف من اخرج الحوثيين من عاصمة الجنوب اليمني ومن ميناء المخا الذي يمكن منه اغلاق باب المندب!

ثمّة حاجة اكثر من ايّ وقت الى مزيد من الوضوح في الرؤية في اليمن.

ثمّة حاجة الى استخلاص العبر من تجارب الماضي القريب مع ما يعنيه ذلك من استفادة من معركة البيضاء حيث تتصدّى القبائل المحليّة المدعومة من قوى معيّنة للحوثيين.

ما لا يمكن تجاهله في الوقت ذاته أنّ صمود مأرب ما كان ليتحقّق لولا انضمام قبائل مثل عبيدة ومراد الى المدافعين عن المدينة.

بدأت تلوح في الأفق مقاومة للحوثيين في مناطق مختلفة من اليمن، خصوصاً بعدما عمل هؤلاء على قمع اليمنيين، بما في ذلك اهل صعدة وعمران وحجة وصنعاء.

لا شكّ ان الحوثيين لم يستخدموا الضغط الذي مارسوه على زيود اليمن مع سكان المحافظات ذات الأكثرية الشافعية.

لجأوا الى وسائل اكثر ذكاء ودهاء في تعاملهم مع الشوافع، لكنّ مشروعهم المتخلّف لا يمكن الا ان ينتهي بالفشل.

قوتهم تكمن في الوقت الراهن في ان الطرف اليمني الذي يواجههم والمسمّى «الشرعيّة» لا يمارس مهماته كما يجب ان يمارسها.

تنقصه الرؤية السياسية الواضحة والإرادة في الوقت ذاته.

لو لم يكن الامر كذلك، لكان اوّل ما فعله هذا الطرف هو الانضمام الى الذين يواجهون الحوثيين في البيضاء بدل انتظار نتائج المعركة لاتخاذ موقف من التطورات التي تشهدها تلك المحافظة...

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي