الرأي اليوم

رسالة إلى نائب الأمير

تصغير
تكبير

سموّ الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح

تحيّة الكويت ومصالحها ومنعتها وحاضرها ومستقبلها، وتحيّة الكويتيّين التوّاقين إلى نهج تغييريّ حقيقيّ يشكّل مظلّة أمان فوق رؤوس أبنائهم وأجيالهم.

وكلمة «الأجيال» تُدخلنا في صلب الموضوع. صندوق الأجيال والاحتياطي العام، ومنه إلى الهيئة العامة للاستثمار التي يخشى الكويتيّون أن تتحوّل من صرح عالميّ ناجح إلى مؤسّسة «محليّة» تديرها تجاذبات السياسة وتشلّ أعمالها مصالح السياسيّين والمتنفّذين.

سموّ الشيخ مشعل

نخاطبكم مباشرة ومن دون حواجز عبر السلطة الرابعة، لأنكم شخصياً تقودون ثورة إداريّة في مختلف المؤسّسات والقطاعات إيماناً بالتجديد وفتح الطريق أمام عنصرالشباب الذي يشكّل غالبية المجتمع الكويتي... والأهم إعادة تنشيط هذه المؤسّسات وتفعيل عملها لمواكبة التطوّر وزيادة الإنتاجية.

من هنا، نتحدث عن الهيئة العامة للاستثمار. هذه المؤسّسة الكويتيّة العريقة التي سبق قيامها استقلال دولة الكويت وتكاد تحتفل ببلوغها السبعين من العمر بعد أقل من سنتين وكانت بالمطلق أول مُؤسّسة في الكرة الأرضيّة يتم تأسيسها لحفظ الثروة. فالهيئة – كما تعلمون سموكم- مُكلّفة بصندوق الاحتياطي العام لتنويع مصادر الدخل ودعم موارد الدولة غير النفطيّة، وصندوق الأجيال، أي مظلّة الأمن والأمان التي تُمكّن أبناءنا من مواجهة تحدّيات المستقبل بثقة وثبات... أمّا مدار عملها فيمكن القول إنه يشمل العالم بأسره.

وليس خافياً على سموكم وأنتم واكبتم تعميم وترسيخ مؤسسات الدولة، بأن من أهم مُقوّمات نجاح عمل الهيئة في العقود الثلاثة الأولى التي تلت قيامها، كان استقلاليّتها عن التجاذبات السياسيّة المحليّة وتحليقها في فضاء الاستثمارات الخارجية وفقاً لمعايير علميّة صارمة وناجحة، مكّنتها من تجاوز ضربات مرحليّة تعرّضت لها مثل انهيار أسواق في الأزمات العالميّة المعروفة بـ«اليوم الأسود»، ومن تجاوز زلزال الغزو وارتداداته التدميريّة على كل القطاعات، ومن بين هذه الارتدادات – للأسف الشديد- تجاوزات بعض أبناء الكويت المعروفين الذين أقدموا في أقسى الظروف على سرقة أموال الاستثمارات في جريمة يندى لها الجبين.

استعادت الهيئة عافيتها لاحقاً، وعادت إلى سكة العمل الطبيعية التي سارت عليها، إنما بدأت اللعبة السياسيّة الكويتيّة والتجاذبات الداخليّة والتسويات والمصالح بين حكومة ومجلس تدخلها في مدارها تدريجيّاً حتى أصبحت ورقة مساومة بين السلطات في ما يتعلّق بتشكيل إدارتها أو عملها، ما أدّى إلى أمرين أساسيّين: وضع إدارة الهيئة تحت ضغوطات دائمة في ما يتعلّق بالعمل والإنتاج، وضعف الأداء كنتيجة طبيعيّة لهذا الضغط خصوصاً أن أصحاب القرار في الهيئة يسمعون كل يوم دعوة لكشف أوراقها، وأخرى لإقحامها في أرقام الميزانيّات، وثالثة لتكليفها حلّ الأزمات بين وزارة المالية ومؤسّسات أخرى نفطيّة وغير نفطيّة، ورابعة لتحويلها إلى صندوق تعويضات إذا خسر هذا المرفق أو ذاك.

الأمثلة لا تتوقّف يا سمو نائب الأمير، إنما النتيجة واحدة. عضو منتدب وأعضاء مجلس إدارة يعملون وعيونهم على تدخّلات النواب وتسويات الحكومة.

اليوم، انتهت فترة عمل مجلس الإدارة، وفي انتظار تشكيل مجلس جديد فوجئ الكويتيّون أنهم أمام نهج قديم في ما يتعلّق بالترشيحات، وبينها أسماء لأشخاص كانوا أعضاء أو عاملين في الهيئة من تسعينيات القرن الماضي وأدّوا ما عليهم وأعطوا ما عندهم، ورغم الاحترام الشديد لدورهم إنما هل يجوز أن تبقى أكبر مُؤسّسة كُويتيّة عالميّة رهينة هذا الأسلوب في تشكيل الإدارة؟ هل يجوز أن تحرم الطاقات الشابة من الترشيحات والتعيينات بينما سيرها الذاتية مليئة بكل ما يشرّف من علم وخبرات وتجارب وقصص نجاح وتألّق حتى في أعرق المُؤسّسات الدوليّة؟

سموّ الشيخ مشعل

موضوع تشكيل مجلس إدارة جديد للهيئة العامة للاستثمار هو في صلب رؤيتكم التحديثيّة التطويريّة. إنه ميدان يجب «تحريره» من التجاذبات الداخليّة المحليّة والنّأي به عن المساومات والصفقات والتسويات وإعادته إلى ما كان عليه قبل ثلاثة عقود. وبما أنه إطار حدوده مفتوحة مع العالم بأسره ويتعاطى مع حقول استثمارية متنوعة فلِمَ لا يضمّ خبرات استشاريّة دوليّة أسوة بالتجارب القريبة، مثل الأشقاء في المملكة العربية السعودية الذين أدخلوا خبرات أجنبيّة في الإدارة التنفيذيّة لصندوق الاستثمارات العامة، وبالتجارب البعيدة مثل كبرى الشركات الدوليّة القارّية التي تستعين بخبرات عربية وآسيوية في ما يتعلّق بأعمالها في المنطقة.

ألا يجب أن يكون اختيار مجلس الإدارة الجديد من بين خيرة الشبّان الكويتيّين الذين عركتهم التجارب في مجالات العمل المختلفة وحقّقوا نجاحات في كبرى المؤسّسات؟ مع دور استشاري لخبرات أجنبية عريقة من دول لها ريادة في مجالات الاستثمار مثل ألمانيا وسويسرا واليابان وسنغافورة؟ إن هذا الخليط من الخبرات الكويتيّة الشابّة والأجنبيّة سيساهم في إدارة دفّة الاستثمار وفق معايير علميّة ربحيّة من جهة ومن دون التأثّر بعوامل محلّية داخليّة من جهة أخرى، خصوصاً أن الكويت تمرّ اليوم في واحدة من أصعب ظروفها الاقتصادية صعوبة وهي تحتاج لكل طاقة عطاء ومصدر دخل.

سموّ الشيخ مشعل الأحمد

الشعب ينظر بتفاؤل إلى العهد الجديد، وأنتم عنصر أساسيّ في النجاح والإصلاح والتطوير. الأمر في يدكم، والأمل بالتغيير حق للكويتيّين.

... دُمتم سالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي