No Script

«الراي» تضيء على حقائق لا يعرفها الغرب

الرئيس الإيراني «المرتقب» على محك الاقتصاد لا... النووي

إيرانية تمر أمام لافتات في طهران للمرشح الرئاسي الأبرز إبراهيم رئيسي (أ ف ب)
إيرانية تمر أمام لافتات في طهران للمرشح الرئاسي الأبرز إبراهيم رئيسي (أ ف ب)
تصغير
تكبير

إيران على موعد مع الانتخابات الرئاسية، اليوم، حيث يتنافس أربعة مرشحين على كرسي الرئاسة في دورتها الثالثة عشرة بعدما استبعد مجلس صيانة الدستور (المسؤول بحسب الدستور عن الموافقة على أسماء وبرامج وسيرة المرشحين) عدداً من المرشحين، ما تسبب بانتقادات كثيرة داخلية.

وتبدو هذه الانتخابات مختلفة عن سابقاتها، إذ يتوقع أن يتدنى مستوى المشاركة فيها إلى ما هو أقل أو أكثر بقليل من 50 في المئة. وإذا حصل ذلك، فإنه سيكون الإقبال هو الأدنى في تاريخ البلاد الانتخابي، علماً أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بلغت 73 في المئة.

ومع ذلك، فإن النسبة المئوية في أي انتخابات رئاسية في كل أنحاء العالم لم تكن أبداً مؤشراً جيداً أو سيئاً، ولا سيما في إيران، حيث كان المجتمع مستقطباً سياسياً منذ عام 1980. علاوة على ذلك، هناك مرشح متشدد رئيسي واحد (إبراهيم رئيسي) وإصلاحي لكلا المعسكرين للتصويت واختيار الرئيس المقبل لإيران.

ويلاقي هذا الاستحقاق تساؤلات كثيرة في الغرب، الذي يبدي اهتماماً كبيراً لكل الأحداث في إيران، حتى قال بعض «الخبراء» إن «الدولة العميقة» هي المقررة وأن «النظام يريد رئيسي» لأنه يتحضر لمنصب أعلى مستقبلياً كخليفة لولي الفقيه السيد علي خامنئي.

إلا أن من الواضح محدودية معرفة العالم بما يجري في الكواليس الإيرانية منذ انتصار الثورة الإسلامية، لأن القرار الإستراتيجي يحكمه الدستور، بينما الرئيس المقبل وحكومته لهما وظائف محددة بحكم القانون، منذ ألغي مركز رئاسة الوزراء في عهد مير حسين موسوي، وتعديل الدستور قبل رحيل الإمام الخميني، وتالياً فإن الملف النووي ومصيره لا علاقة له بالانتخابات بتاتاً أو بالعلاقة مع الولايات المتحدة.

في عام انتصار الثورة والاستفتاء على حكم إيران و«الجمهورية الإسلامية» التي دعا إليها الإمام الخميني عام 1979، أقيمت الرئاسة الأولى التي تبوأها أبوالحسن بني صدر عام 1980. وحينها لم يدعم انتخابه الخميني، ولكنه لم يعلن ذلك لكي لا يؤثر على نتيجة الانتخابات...

«لا علاقة لي بمن سيصبح رئيساً للجمهورية وهذا ليس من شأني. أنا شخصياً لدي صوت واحد وسوف أمنحه لمن أرغب من المرشحين، وأنتم أيضاً على الشاكلة نفسها»، هذا ما قاله أيضاً الإمام الخميني في انتخابات الرئاسة عام 1985 حين انتخب السيد علي خامنئي كرئيس للجمهورية، بعد ما أقال البرلمان بني صدر في أعقاب 17 شهراً من انتخابه وبعد صعود محمد علي رجائي مكانه والذي اغتيل في طهران.

ولمزيد من الدلالة على عدم تدخله، صرح خامنئي حينها بأنه لم يكن يرغب بالترشح، قائلاً «لقد أمرني الإمام الخميني وقال لي إن الأمر لازم ومؤكد بعنوان الحكم الشرعي وواجب أن تترشح للانتخابات الرئاسية. إلا أنني لم أفصح عن ذلك قبل الانتخابات لكي لا يؤثر قولي على النتائج».

في العهد الأول للرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي برز انضمامه للمخيم المتشدد حينها، أعطى خامنئي الإذن له بالتفاوض مع أميركا حول الملف النووي لرفع العقوبات... مفاوضات أكملها الشيخ حسن روحاني ولم يتوصل لإنهائها، لأن واشنطن أرادت الإبقاء على عدد كبير من العقوبات التي تعتبرها طهران غير متعلقة بالملف النووي.

إيران لديها رأي مختلف وتفترض أنه لا يوجد فرق حتى الآن بين الرئيسين السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن. أراد ترامب التفاوض، لكن طهران رفضت عرضه، وقبلت التفاوض غير المباشر مع إدارة بايدن التي لا ترغب في رفع كل عقوبات الإدارة السابقة.

من هنا، فإن هوية الرئيس المقبل لا علاقة لها بالتعامل مع أميركا التي تعتبر عدوة لنظام «الجمهورية الإٍسلامية» بشقيه، حتى ولو تم توقيع اتفاق يرفع العقوبات عنها. فطهران سترفض دائماً الهيمنة الأميركية وستعمل على الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من الشرق الأوسط وجزء من غرب آسيا.

وليس بجديد وجود إصلاحيين ومتشددين في إيران، إذ انقسم السياسيون منذ الأيام الأولى للثورة تحت مسمى «الحزب الجمهوري»، بشقيه اليميني واليساري.

وبدأ الصراع بين القطبين حيث لا اختلاف على مبادئ الثورة بل كانوا جميعاً، كما قال الإمام الخميني «مؤمنين محمديين مخلصين للثورة ولكن بآراء مختلفة».

ورغم الاتهامات المتبادلة بين الطرفين منذ 40 عاماً. «هؤلاء الذين ينعتون رجال الدين والعلماء من دون استثناء بالإسلام الأميركي يمضون في طريق خطر جداً سينتهي بكسر شوكة الإسلام المحمدي الأصيل»، أعلنها الخميني عام 1987 بانتقاده الطرفين المتناحرين.

وقال عن بعضهم أنهم «أصبحوا ثوريين أكثر من الثوريين الحقيقيين».

وتالياً، فإن الخلاف في وجهة النظر وإدارة الأمور ليس بجديد. فقد تفوق اليساريون على اليمين المحافظ في أول انتخاب لمير حسين موسوي كرئيس للوزراء وفي عهد الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي انتخب رئيساً للجمهورية (1989 - 1993). واستلم أول رئيس إصلاحي هو السيد محمد خاتمي مرتين (1997 - 2005).

ولكن المتشدد يستطيع تبديل سياسته كما حصل مع أحمدي نجاد في ولايته الثانية ومع روحاني (2013 - 2021) الذي سار على سياسة اتبعها وزير الخارجية محمد جواد ظريف، بتصديق وعود الغرب التي نبذها ترامب وأكمل الطريق عينها بايدن والذي لم يرفع العقوبات بعد أكثر من 148 يوماً من انتخابه.

كان ظريف يؤمن بوعود الغرب، بل إنه حاول جر البلاد إلى سياسة خارجية أراد تأسيسها بغض النظر عن قرار ولي الفقيه (عندما قال ظريف إن كل خطوة إيجابية من الولايات المتحدة ستقابل بمثل هذا الموقف.

تحرك إيراني لكن تم تنبيهه عندما قرر السيد خامنئي أن وزير الخارجية يتبع توجيهات صانعي القرار وليس لديه سياسته للتنفيذ).

نتيجة للثقة المفرطة لظريف في الغرب، دمر ترامب الاتفاق النووي، ولم تفعل أوروبا شيئاً للتعويض.

أما عن مجلس صيانة الدستور، الذي يقرر من يخوض الانتخابات من عدمها، فله الحرية المطلقة وقواعده التي لا يفصح عنها ولا يرد على المعترضين الذين رفض أهليتهم.

وكان المرشح الأبرز في السباق الحالي علي لاريجاني قد أبعد من قبل المجلس وتدخل السيد خامنئي بنفسه بالإعراب عن رأيه، مطالباً بالإنصاف بحق لاريجاني، من دون تسميته بالاسم.

أما القول إن المتشددين لم يرغبوا بالمخاطرة بمجيء لاريجاني وخسارة رئيسي مقابله بسبب شعبية الطرفين، فهو كلام استنتاجي غير دقيق لأن خوض أكثر المرشحين المتشددين يشتت الأصوات في ما بينهم ليعطي حظوظاً أكبر للمرشح الوسطي بالصعود.

وانخفض العدد الأربعاء إلى أربعة فقط، مع انسحاب ثلاثة مرشحين هم الإصلاحي محسن مهر علي زاده، والمحافظان المتشددان سعيد جليلي وعلي رضا زاكاني، اللذان أيدا رئيسي.

وبالنسبة لرفض أحمدي نجاد كمرشح، فكان متوقعاً، خصوصاً بعد قضية لنائبه الأول للرئيس اسفنديار رحيمي مشائي، وتصريحاته حول السعي إلى التقارب مع إسرائيل.

حينها رفض نجاد إقالته من منصبه رغم رسالة خامنئي التي طلب فيها إقالة مشائي.

خلال الولاية الأولى لأحمدي نجاد، الذي برز في انضمامه إلى المعسكر المتشدد، سمح له خامنئي بالتفاوض مع الولايات المتحدة حول الملف النووي لرفع العقوبات. كما فشل روحاني، في التوصل إلى اتفاق نهائي مع بايدن.

في الأسبوع الماضي احتشد عشرات الآلاف في أكبر تجمع انتخابي على مستوى المرشحين الحاليين في منطقة الأهواز، دعماً لرئيسي كدليل على شعبيته.

وتالياً فإنه يعتبر المرشح الأوفر حظاً لينفذ برنامجه الاقتصادي الذي وعد به.

والسبب بتصاعد شعبية المتشددين، هو تراجع قواعد الإصلاحيين نتيجة أخطائهم في السياسة الاقتصادية، من دون أن يعني ذلك أن دورهم انتهى، بل على العكس، سيحاولون في المستقبل بعد تجميع صفوفهم.

لقد فشل محمد رضا مهدوي كني، بمنصب رئيس الوزراء، وهو المتشدد، وتسلم الحكم حسين موسوي عام 1981، وهو اليساري والإصلاحي.

وفشل ناطق نوري المتشدد أمام رفسنجاني، الذي حصل على توافق اليمين واليسار في انتخابات عام 1989.

وتالياً فإن عملية ربح أو خسارة فريق على آخر، هي عملية كر وفر سياسي ما دام هناك نائب يذهب إلى الانتخابات ويؤمن بالنظام الإسلامي.

وتالياً، فإن الرئيس المقبل يجابه تحديات كبيرة في ظل إدارة أميركية تريد إدخال عناصر تفقد إيران قوتها لتصبح «قرشاً من دون أسنان»، مثل القوة الصاروخية و«محور المقاومة».

وسيجابه الرئيس الجديد تحدي الاقتصاد والأمن والتحالفات الإقليمية وترميم العلاقة مع السعودية ودول المنطقة والتموضع مع الصين وروسيا، بهدف إلغاء «السيطرة الأحادية» الأميركية في العالم، والأهم من ذلك القوة الشرائية للعملة المحلية وإعادة الحياة للاقتصاد.

وقد شاهد العالم المتابع للانتخابات، المناظرات التلفزيونية التي جرت بين المرشحين والذين قدموا برامجهم الانتخابية لعام 2021 ونظرتهم للتعامل مع الاقتصاد والسياسة الداخلية ودور المرأة ووضع العملة المحلية والاعتماد على الصناعة والزراعة والإنتاج المحلي وهواجس الناس ومطالبهم.

ولم يتطرق أحد من المرشحين إلى السياسة التي يجب اتباعها بما يخص الملف النووي والعلاقات الخارجية لأن ولي الفقيه قد رسمها وحددها لتسير في ضوئها الحكومة الحالية والمستقبلية إلى حين صعود ولي فقيه آخر وإبداء رأيه القاطع.

لن تؤثر الانتخابات الرئاسية على الملف النووي، بل على الاقتصاد ككل إذا ما وافقت أميركا على رفع كل العقوبات، وهذا أمر مستبعد. وتالياً فإن إيران على موعد مع استحقاق انتخابي يؤكد مبادئ «الثورة الإسلامية» بغض النظر عن اسم الرئيس المقبل.

القول بان الطريق فتحت أمام رئيسي، مبالغ فيها للغاية، لأنه إذا تم اختياره، سيواجه تحديات داخلية وخارجية هائلة: إذا فشل الرئيس المتشدد، فقد يستفيد الإصلاحيون من الانتخابات الرئاسية المقبلة.

أما إذا نجح رئيسي في نقل إيران إلى مستوى اقتصادي أكثر ازدهاراً، فسيكون الشعب، الإصلاحي والمتشدد، الرابح الأكبر.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي