No Script

انتشار «ثقافة الإلغاء» و«نظريات المؤامرة» في صفوف أقصى اليسار واليمين

أميركا تعاني طغيان «تقدميي» الحزب الديموقراطي

تصغير
تكبير

فرض وباء فيروس كورونا المستجد على الطلبة حول العالم اعتماد تقنية الصفوف عبر الإنترنت على مدى العام الماضي... في كلية القانون في جامعة جورجتاون العريقة في العاصمة الأميركية، انتهت الحصة في أحد الصفوف ودارت دردشة بين البروفسورة ساندرا سلرز وزميلها ديفيد بستون.

لم تدرك سلرز أن الكاميرات كانت لا تزال تعمل وأن الطلبة كانوا يشاهدونها، فقالت لزميلها إنها تشعر بخيبة أمل أنه في كل صفوفها، على مدى الأعوام الماضية، يحدث دائماً أن يكون الطلبة الأسوأ أداء هم من السود.

وتابعت أنها تأسف أن هذا هو الواقع، وتتمنى لو كان بيدها حيلة لتحسين أداء هؤلاء الطلبة، لكن يندر أن أي منهم توفّق في تحقيق درجات مرتفعة.

الصف لا يشاهده إلا الطلبة المسجلين فيه، وقام أحدهم بتسجيل حديث سلرز وتوزيعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ففجر بذلك قنبلة في أوساط الجامعة، وطالبت جمعية الطلبة الأفارقة الأميركيين، وجمعيات طالبية أخرى، بطرد سلرز، فلبى عميد الكلية، الطلب.

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد أصدرت رابطة الطلبة الأفارقة الأميركيين بياناً انتقدت فيه المعلمين البيض لصمتهم، فما كان من هؤلاء إلا أن وقعوا عريضة اعتذروا فيها عن عدم حساسيتهم، وعن غرقهم في «الأفضلية» التي يكتسبونها كونهم من البيض، وطلبوا السماح لهم بالمشاركة في ورشات تدريبية مخصصة للتوعية حول شؤون الأعراق والعلاقات بينها، وهي الجلسات التي صار عدد كبير من الأميركيين ينظر إليها بريبة ويشبهها بحلقات «التثقيف الحزبي» التي تعقدها الأحزاب الحاكمة في الدول الديكتاتورية، مثل في الاتحاد السوفياتي سابقاً وفي الصين اليوم.

لمى أبو عودة، وهي بروفسورة أردنية أميركية في كلية القانون نفسها في جورجتاون، رفضت توقيع العريضة، وقالت إنها امرأة، وليست بيضاء، ولم تتمتع في حياتها بالأفضلية التي يتمتع بها البيض في الولايات المتحدة، لذا لا تعتبر نفسها مذنبة، ولا تنوي الانخراط في الورشات التي وصفتها بمثابة «معسكرات التثقيف العقائدي» التي كانت تقيمها الحكومات الاشتراكية والسوفياتية المندثرة.

ووصفت أبو عودة، تصرفات الجمعيات غير البيضاء بأنها «طغيانية».

وقالت إن «التقدميين في الحزب الديموقراطي يتجاهلون أن نخبة حاكمة جديدة تستولي على المؤسسات الأكاديمية باستخدام وضعها كأقلية لممارسة انقلاب ناعم، وتناشد الأقليات من التقدميين الديموقراطيين لإضفاء الشرعية على انقلابها».

وأضافت أن «موقف التقدميين تجاه هذا الانقلاب يشبه موقف الناشطين الشيوعيين في ما يتعلق بالاستيلاء الشيوعي على السلطة في بعض الدول في الماضي: في البداية يرون أن الانقلاب يشبه ما ناضلوا دائماً من أجله، ثم مع مرور الوقت، يجدون أن عليهم الاختيار ما إذا كان يجب أن ينتقدوا فظائع النظام الجديد أو قبولها على أنها مرحلة انتقالية ضرورية».

وتتابع بروفسورة القانون: «ثم عندما تتوالى فظائع الحكام الجدد، يشعر الناشطون بأن عليهم قبولها لأنهم لم يعترضوا على التجاوزات الأولى، وقبل مرور وقت طويل، يأتي وقت لا يمكن فيه التعبير عن أي اعتراض إلا بتكلفة باهظة».

هذا الانقلاب الذي تقوده الأقليات وتقدميو الحزب الديموقراطي، ومنهم من البيض، ضد كل الأعراف والتقاليد الأميركية، السياسية منها والاجتماعية والأكاديمية والثقافية، صارت تقلق كثيرين، من داخل الحزب الديموقراطي نفسه، وهو ما دفع الرئيس السابق باراك أوباما الى انتقاد هذه الظاهرة علناً - التي يطلق عليها الأميركيون اسم «ثقافة الإلغاء» والقول إن هذا النوع من «الطهرانية» في السياسة لا يخدم أحدا، بل سينعكس سلباً على الحزب الديموقراطي، وسيقلّص من مرونته على المساومة من أجل تحقيق أهدافه، وسيبعد عنه الناخبين المعتدلين من الحزبين.

بدوره، علّق الكاتب المخضرم في صحيفة «نيويورك تايمز» توماس ادسال على الموضوع، بالتساؤل ان كانت الثقافة القمعية التي ينتهجها «تقدميو» الحزب الديموقراطي مجدية.

وكتب في مقالة أنه «رغم أن الديموقراطيين الوسطيين (المعروفين كذلك بالليبراليين) يشكلون غالبية الحزب في استطلاعات الرأي»، الا أن الواقع «أن أقلية كبيرة من الديموقراطيين (أي التقدميين) تتخذ مواقف متطرفة تسمح للجمهوريين بتصوير الحزب الديموقراطي على أنه محكوم من قبل جناحه الأكثر راديكالية»، وتجييش قاعدتهم الشعبية الجمهورية حتى تتبنى بدورها مواقف راديكالية مماثلة.

وأشار ادسال الى أن الأشهر الـ 12 الماضية شهدت «حركة مضادة وسطية (ليبرالية) تهدف إلى تعزيز الصورة السائدة عن الحزب الديموقراطي، وعرقلة قوة اليسار (التقدمي) الأكثر راديكالية».

ونقل المعلّق الأميركي عن بروفسورة الحقوق في جامعة نيويورك نادين ستروسن، ان «القيم الليبرالية الكلاسيكية محاصرة من كل قطاعات الطيف السياسي، من اليسار إلى اليمين، ويطول الحصار حرية التعبير، وحرية الفكر، وحرية تكوين الجمعيات، وكذلك الحريات الأكاديمية، وحرية الاجراءات القانونية، فضلاً عن عدم احترام الخصوصية الشخصية»، كما حصل في حالة البروفسورة سلرز.

وانتقد ادسال «الشعبوية من اليسار واليمين»، ووصفها بأنها «خطاب يخال نفسه أخلاقياً وينحصر بالتركيز على ثنائية تتألف من النخبة الحاكمة الفاسدة والشعب الفاضل المتجانس».

وأضاف أن «التركيز على تجانس الشعب يجعل الشعبوية في الأساس مناهضة للتعددية»، كما وأن«خطاب الشعبوية القاسي حول النخبة الفاسدة يحتقر شرعية المعارضة السياسية، اذ لا شيء يقف في طريق إرادة الشعب».

هكذا، يختم ادسال، بالقول إن الشعبويين من اليمين واليسار يتصورون «حكماً للغالبية من دون حقوق للأقلية».

الولايات المتحدة في مأزق بسبب انتشار «ثقافة الإلغاء» و«نظريات المؤامرة» والدعاية والتضليل في صفوف أقصى اليسار، كما أقصى اليمين.

على اليسار، أي داخل الحزب الديموقراطي، مازال الوسطيون غالبية قادرة على فرض مرشحها من أمثال الرئيس جو بايدن. وعلى اليمين، أي داخل الحزب الجمهوري، يبدو أن الوسطية صارت أقلية أمام صعود شعبوية متطرفة يقودها الرئيس السابق دونالد ترامب.

أما الوسطيون من الحزبين، فيرون في التطرف داخل حزبيهما خطراً داهماً، لا على مواقعهما السياسية فحسب، بل على الجمهورية الأميركية ومؤسساتها برمتها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي