No Script

رأي قلمي

كن جوهراً ولا تكن مظهراً...!

تصغير
تكبير

إن الإسلام لا يدعو إلى الابتذال والإهمال في المظهر ولا يرضى عن ذلك، بل حثّ على لبس النظيف وتسريح الشعر واستعمال الطيب وتنظيم البيئة والأشياء من حولنا. وفي الحقيقة الفرق شاسع بين جوهر الإنسان وكينونته المجردة، وبين الأشكال الظاهرية، ولا بد أن نتعامل مع بعضنا ومع الأشياء من حولنا دون أن تكون هناك قيود تبادلية، لإثبات أن ذاتيتنا حرة في داخلها غير مستعبدة لشيء ما إلا ما كان قيداً أخلاقياً أو نظامياً تفرضه طبيعة الاجتماع الإنساني.

ولا نغفل عن الحقيقة الربانية أنه حين يولد الإنسان يكون مجرداً من أي شيء يضيفه إلى ذاته، أو يتجمل به، ومع هذا فالدين الإسلامي يرى الإنسان بشراً سوياً كامل الحقوق، والدفاع عنه وصونه وحمايته واجب على من يرعاه، لأن الإسلام لا يقوّم الناس على أساس الشكل أو الوزن أو النّسب أو الرصيد في البنك... أو... إنما يقوّم الإنسان على أنه إنسان وكفى.

هناك صورتان متقابلتان متضادتان... إحداهما تصوّر وضعية الإنسان الجوهر، والأخرى تصوّر وضعية الإنسان المظهر. حين تكون السيادة في المجتمع للجوهر يكون الإنسان هو محوره وموضع اعتباره واهتمامه الأول. ومن ثم تتجه كل التشريعات نحو ترقيته وترشيد أفعاله وبلورة ذاته.

وحين تكون السيادة في المجتمع للمظهر فإن الاهتمام ينصب على تنمية الأشياء وتطويرها وتنظيم تبادلها.

مجتمع الجوهر مجتمع تتقارب فيه المسافات بين الناس، حيث الجوهر الإنساني يكاد يكون واحداً، وهو ثابت لا يكاد يتقدم أو يتأخر، ومن ثم الناس يشعرون أنهم من طينة واحدة.

لكن حين يسيطر المظهر على المجتمع، فإن الناس لا يُقوّمون بجوهرهم، وإنما بما يملكون، وما يملكه الناس مختلف ومتباين إلى حدود بعيدة، وهنا تقوم الحواجز بين الناس، فتتمزّق أواصر المجتمع، ويحلّ محلّ الألفة والتعاون أمراض الشعور بالغربة والوحدة والقلق والنزوع إلى التدمير والحسد وحياكة الدسائس والمؤامرات لانتزاع المتاع والسيطرة على الثروات.

حين يكون الاعتبار الأول للجوهر تكثر الألفاظ المتداولة بين الناس المعبرة عن الفعل الذاتي، مثل... أنا أحب، أنا أقول، أنا أرى، أنا أفعل... وحين تسيطر المظاهر يكثر استخدام الأسماء، على نحو... عندي بيت، عندي سيارة، أمتلك بستاناً، لدي أثواب لا تعد ولا تحصى.

قانون الجوهر هو العطاء، وقانون المظهر هو الاستحواذ. وأخيراً ليس آخراً فصفات وسمات الإنسان الجوهر، الاستقلالية والحرية وحضور العقل النقدي والنمو والتدفق، وتجاوز سجن ذاته المعزولة والشغف والإنصات، وهي صفات تدلّ على عظم الذاتية وتكاملها وقلة افتقارها إلى الرتوش والإضافات الخارجية.

أما الإنسان المظهر فهو يفقد غزارة الشخصية، وتشابهه مع الآخرين هو الطابع المهيمن عليه، وغالباً ما تشعر أنك أمام إنسان بدائي في فكره ومشاعره وتطلعاته. فكن جوهرياً ولا تكن مظهرياً.

M.alwohaib@gmail.com @mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي