No Script

رأي قلمي

ظِلال مَصيرك..!

تصغير
تكبير

هناك اتفاق بل إجماع على أن المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية، العربية وغير العربية، تعاني من مشكلات عدة، وتلك المشكلات متعددة الجوانب والوجوه. ويعتقد المهتمون بالإصلاح أن البداية الحقيقية تكون في إصلاح المجال الذي تخصص فيه، فالاقتصادي يعتقد أن البداية الحقيقية تكون في إصلاح الاقتصاد، والشرعي يرى الالتزام بأحكام الشريعة هو البداية، والتربوي يعتقد أنه ما لم ينشأ جيل جديد قد ربي التربية الصحيحة، فإن الأمل في تحسن الأحوال معدوم. وهكذا...

أما المثقفون فيعتقدون أن ما يحتاج إلى أن يبدأوا بإصلاحه وتقويمه هو الفكر، ونحن نتفق مع ما ذهب إليه المثقفون، حيث إننا لا نستطيع أن نعالج أي مشكلة في أي جانب من جوانب الحياة من دون تفكير صحيح قادر على تصور المشكلة ورؤية أسبابها وجذورها وصلبها وهوامشها وتناقضاتها الداخلية وعلاقاتها التبادلية مع غيرها. ولا نستطيع أيضاً أن نبدأ مرحلة المعالجة لها بما تقتضيه من أولويات البدء، ومراحل التدرج وأدوات الحل وآثار ذلك على الجوانب الحياتية الأخرى، إلا من خلال الفكر.

فإصلاح الجوانب الحياتية المختلفة ومنها قضية الالتزام متوقف على إصلاح الفكر، على حين أن إصلاح الفكر لا يتوقف على أي شيء آخر، مما يعطيه أولوية البدء. واستقامة الفكر ورشاده ليس شيئاً ثابتاً لدىٰ الأفراد والمجتمعات، فقد تمرّ على مجتمع من المجتمعات مرحلة من التألق والتنور الفكري، وقد تمرّ على المجتمع نفسه مرحلة أخرى تنطمس فيها مقاطع الرشد ومراشد الحق، ويسود فيها ضلال الأحكام وفساد التصورات وضبابية المدركات، وينتج عن ذلك كله نوع من الانحباس والتأزم والتردد في التعامل مع كل شيء... التاريخ والواقع والمستقبل والأحداث والأفكار والأشياء.

وللثقافة الأثر الأكبر في استقامة التفكير وإعوجاجه، فحين تكون البنى الثقافية أقرب إلى السلامة والفعالية، فإنها تساعد إمكاناتنا العقلية على إنتاج الأفكار القويمة والبنّاءة من خلال المعطيات والمدخلات التي تقدمها لها. فالإمكانات العقلية لدى الإنسان بمثابة آلة، والمعطيات الثقافية هي أنواع الحبوب التي نصبها فيها، والأحكام العقلية التي نصدرها هي تلك الأصناف التي تنتج عن دوران وعمل الآلة. وحين تكون الثقافة متأزمة أو ضامرة فإن الأحكام العقلية تكون أقرب إلى الخطل والإعوجاج.

إن علينا أن نصرّ على النجاح في عالم الأفكار، لأن كل ما نملكه من ثروات وأموال سيكون محدود الفائدة إذا نحن لم نستطع أن نقدم الأفكار التي تصلح شأننا الحضاري كله، وعلينا أن نحمي مبادئنا، ونقاوم كل المفسدين والمدمرين لأفكارنا مهما كان شأنهم، وعلينا الحذر من الأفكار العقيمة التي لا يستطيع أحد حمايتها والدفاع عنها لأنها لا تملك ما يمنحها البقاء والفعالية.

يقول فرانك أنلو: «راقب أفكارك فإنها تتحول إلى كلمات، راقب كلماتك فإنها تصبح أفعالاً، راقب أفعالك فإنها تتحول إلى عادات، راقب عاداتك فإنها تصبح طباعاً، راقب طباعك فإنها ظلال مصيرك».

M.alwohaib@gmail.com

@mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي