No Script

أي سورية يُمكن الرهان على إنقاذها...؟

تصغير
تكبير

هناك كلام كثير بعضه حقيقي وبعضه الآخر مبالغات عن اندفاع عربي تدعمه روسيا، أو على الأصحّ بالتنسيق معها، في اتجاه إعادة تأهيل النظام السوري... او تأهيل سورية. في النهاية لا أمل في إعادة تأهيل النظام فيما مطروح امكان تأهيل سورية على الرغم من كل التغييرات التي طرأت على البلد المقيم تحت خمسة احتلالات.

الأكيد انّ هناك بحثاً في مستقبل سورية ووضعها في المنطقة. يشمل ذلك البحث في عودة سورية، في ظلّ النظام القائم، الى احتلال مقعد جامعة الدول العربيّة. قد يكون مدير المخابرات السعوديّة خالد الحميدان زار دمشق أخيراً، وقد تكون الزيارة اقتصرت على وفد امني سعودي جاء للبحث في قضايا عالقة بين سورية والمملكة. بين قضايا التهريب، تهريب المخدرات خصوصاً، ووضع سجناء سعوديين موجودين في سجون النظام كانوا بين الذين اعتقلوا مع إسلاميين آخرين في منطقة الغوطة القريبة من دمشق قبل سنوات عدّة.

ما هو مهمّ، انّه عاجلاً ام آجلاً، هناك سؤال أوّل سيفرض نفسه بقوّة هل يمكن إعادة تأهيل النظام السوري؟ لكنّ السؤال الثاني الاهمّ، الذي يفترض بقاؤه في البال، هل يمكن فصل النظام السوري عن النظام في ايران؟!

تستحق سورية الرهان عليها وعلى مستقبلها، علماً انّ النظام حقّق إنجازاً ضخماً يتمثل في الربط بين مصيره من جهة ومصير البلد من جهة أخرى. يبقى شعار «الأسد او نحرق البلد» الشعار الاهمّ الذي رفعه النظام منذ اندلاع الثورة السورية قبل ما يزيد على عشر سنوات.

من أجل بقاء بشّار في دمشق، يبدو كلّ شيء مسموحاً، بما في ذلك تهجير السوريين من بيوتهم وأراضيهم الى مناطق داخل سورية وأخرى خارجها. ليس مهمّا مقتل ما يزيد على نصف مليون سوري. ليس مهمّا الاستعانة بالميليشيات التابعة لإيران لقتل السوريين وتهجيرهم واجراء تغييرات ذات طبيعة ديموغرافيّة. ليس مهمّاً الاستعانة بالروس لتحويل سورية حقل تجارب لطائراتهم واسلحتهم المختلفة التي يسعون الى تسويقها في مختلف انحاء العالم، أي حيث يوجد زبائن لتلك الأسلحة التي تحتاج موسكو يوميّاً الى اقناع الآخرين بفعاليتها. ليس مهمّاً استخدام السلاح الكيميائي والبراميل المتفجرة لقتل السوريين. المهمّ بقاء النظام الذي ثار عليه السوريون نظراً الى انّهم يرفضون البقاء عبيداً الى ابد الآبدين.

باختصار شديد، لا يمكن إعادة تأهيل النظام، بل يمكن الرهان على إعادة تأهيل سورية. يحتاج ذلك قبل كلّ شيء الى مؤتمر دولي. مهمّة مثل هذا المؤتمر إيجاد صيغة جديدة لسورية بعيداً عن النظام القائم. مثل هذا المؤتمر يحتاج الى توافق دولي على أن صلاحيّة النظام انتهت. في انتظار الوصول الى مثل هذا التوافق ستبقى اميركا في شمال شرقي سورية، حيث وضعت يدها مع الأكراد (قسد) على القسم الأكبر من الثروة المائيّة والزراعيّة والنفط والغاز، وستبقى تركيا في الشمال السوري، حيث تعزّز وجودها يومياً وعينها على الاكراد، وستبقى روسيا في طول الساحل السوري وفي الجنوب حيث لم تستطع الايفاء بوعدها بالنسبة الى لجم الوجود الإيراني الذي لا يستهدف إقامة قواعد عسكريّة فحسب، بل يسعى أيضاً الى تغيير طبيعة المجتمع السوري في مناطق معيّنة خصوصاً على طول الحدود مع لبنان. فوق ذلك كلّه، ستظل إسرائيل في الجولان المحتلّ منذ العام 1967 وستضرب في الداخل السوري حيثما تشاء وساعة تشاء وصولا الى مناطق قريبة من حيث الوجود الروسي في اللاذقيّة ومحيطها.

يُمكن الرهان على انقاذ ما يُمكن إنقاذه من سورية وهذا واجب عربي مرتبط بأمن الإقليم كلّه. لكن ما لا يُمكن الرهان عليه هو فكّ العلاقة بين النظام السوري وإيران. لا تسمح طبيعة النظام بذلك. يؤكد استحالة فكّ العلاقة التي اختلفت طبيعتها ظاهراً، لكنّها بقيت على حالها في العمق بعد خلافة بشّار لوالده حافظ في السنة 2000، مدى تحكّم طهران بالقرار السوري.

يكفي العودة الى مذكرات عبدالحليم خدّام نائب الرئيس السوري في عهدي الأسد الاب والأسد الابن وقراءة ما بين السطور لاستنتاج انّ حافظ الأسد كان في علاقته مع النظام الإيراني أكثر تعصّباً لمذهبه العلوي من بشّار وذلك على الرغم من تغطيته ذلك ببعض الشخصيّات السنّية التي أحاط نفسه بها.

كان خدّام من بين هذه الشخصيّات، كما كان هناك رئيس الأركان حكمت الشهابي ووزير الدفاع مصطفى طلاس وآخرون. لكنّ حافظ الأسد كان شريكاً، الى جانب ايران، في الحرب العراقيّة - الإيرانية بين 1980 و1988، وكانت سورية تستورد أسلحة من دول أوروبا الشرقيّة، من تشيكوسلوفاكيا وغيرها، وترسلها الى ايران. إضافة الى ذلك، كان حافظ الأسد وراء دخول «الحرس الثوري» الى الأراضي اللبنانية في 1982 تمهيداً لتأسيس «حزب الله» وكان يدعو ضباطه، استناداً الى خدام، الى مساعدة «حزب الله».

ليس صدفة ان تهبّ ايران لإنقاذ بشّار الأسد بعد ثورة الشعب السوري على نظامه الاقلّوي وليس صدفة ان تستعين «الجمهوريّة الاسلاميّة» بروسيا، عبر قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الذي اغتاله الأميركيون مطلع العام 2020، وذلك عندما عجزت في خريف العام 2015 عن انقاذ النظام السوري...

تبدو العلاقة بين النظامين السوري والإيراني اكثر تعقيداً بكثير مما يعتقد. لم تدخل إيران الى سورية ولم تستثمر فيها مليارات الدولارات ولم تجرِ تغييراً ديموغرافياً من أجل الخروج بسهولة. تعتبر ايران انّها وُجدت في سورية لتبقى فيها وأن إخراجها يحتاج حرباً... او سقوطاً للنظام في طهران.

على الرغم من ذلك، لا مفرّ من البحث عن وسائل من أجل انقاذ سورية. أي سورية مطلوب انقاذها وما الصيغة التي ستستقر عليها سورية مستقبلاً. الثابت أن سورية في حاجة الى صيغة جداً في حال كان مطلوباً أن تبقى موحّدة بطريقة أو بأُخرى. ليس لبنان وحده الذي يحتاج الى مؤتمر دولي من أجل إخراجه من أزمته العميقة ذات الطابع المصيري. ما ينطبق على لبنان ينطبق على سورية أيضاً التي اصرّ النظام فيها منذ العام 1975 على لعب كلّ الأدوار التخريبية في لبنان، وهي أدوار ارتدّت عليه في نهاية المطاف وعلى سورية نفسها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي