No Script

رأي قلمي

مساحات الفراغ...!

تصغير
تكبير

منذ عقود طويلة والناس يتحدثون حول تحديد المشكلة الأساسية التي يعاني منها أي مجتمع، وقد رأىٰ كثيرون أن أزمتنا الأساسية أزمة تربوية خلقية، ورأىٰ آخرون أن مشكلنا الأكبر هو مشكل فكري، والصحيح أننا نعاني من أزمتين صغراهما كبيرة؛ لكن لا ريب في أن وضعية فكرية صحيحة تظل هي المدخل للإصلاح؛ حيث إن عملية التربية والتنشئة الخلقية لا بد أن ترتكز على منهجية سليمة، وتلك لا نستطيع بلورتها إلا عن طريق الفكر.

وفي الإسلام للخلق الكريم والفضائل النفسية مكانة عظمى، إذ إن المجتمع بلا أخلاق أقرب إلى الغابة منه إلى أي شيء آخر. وتمثّل الأخلاق والقيم السائدة في مجتمع ما انعكاساً مباشراً لعقيدة المجتمع، وثمرة لكل الظروف والتطورات والأوضاع التي مرّ بها وعيه، والتي تسود في حاضره، كذلك الأخلاق السامية تساعد المجتمع على تجاوز الكثير من محنه وأشكال معاناته، فإن أزمات المجتمع الفكرية والسياسية والثقافية والتربوية والاقتصادية، وما يتحصّل منها من وعي المجتمع بذاته تنعكس بصورة واضحة على أخلاق الناس وترتيب سلم القيم لديهم.

وتنبع أهمية القيم من أنها تضبط سلوك الفرد من الداخل، حيث تعجز الأنظمة والقوانين والأعراف عن ضبط تصرفات الإنسان في خلواته وشؤونه الخاصة، كما أن النظم والأعراف والتقاليد لا تستطيع مهما كانت دقيقة وشاملة وواضحة أن تغطي كل مساحات حياتنا الاجتماعية. فإن وظيفة الخلق الكريم أن يردع أصحابه عن استغلال مساحات الفراغ القانوني على وجه سيئ يضر بالفرد نفسه أو مجتمعه، وهاتان الوظيفتان الاجتماعيتان للأخلاق لا يمكن أن يقوم بهما أي نظام أو سلطة أو علم أو عقل إذا ما عجزت أخلاق الفرد والجماعة عن القيام بهما.

ومن هنا، فإن الأخلاق الشخصية والاجتماعية والحضارية جميعاً تشكل لدينا جزءاً مهماً من منظومتنا العقدية والفكرية والرمزية؛ فالمسلم حين يقف موقفاً لا أخلاقياً يشعر بالذنب والتناقض والخور النفسي. وإعلاءً لشأن الأخلاق أثنى الله - تعالى- على خلق نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلّم حين قال: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ» سورة القلم آية (4). وجعل النبي عليه الصلاة والسلام الأخلاق معياراً للخيرية العامة حين قال: «إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً». وجعل أهل الخلق الحسن من أحب الناس إليه حين قال: «إن من أحبكم إليَّ أحسنكم أخلاقاً».

M.alwohaib@gmail.com

@mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي