No Script

خواطر صعلوك

الغربة... والغرباء... والغريب !

تصغير
تكبير

دعني أُخبرك يا صلاح أنه سيتم ربطك في خطٍ مستقيم، من خشب بلا مساماتٍ أو تنفيس، أوله يقول الناس فيه عنك إنك اجتماعي، وآخِره يقولون عنك إنك انطوائي... وما بين النقطتين خط رحلتك في الغربة.

والغربة غربة النفس لا الوطن.

اعلم أصلحني الله وإياك، أنك بعد أن قضيت وقتاً طويلاً في السفر والغربة والبحث عن شيء لا تراه ولكنك تأمله، وأمضيت كل وقتك وأنت تفكر في أولِ وجهٍ سوف تراهُ في أولِ يومٍ من عودتك، وربما فكرت أيضاً في اليوم الثاني والثالث والرابع، ومن يجب أن تراه ومن ستؤجّل، ثم تعود وتجد أن للجميع وجوهاً مختلفة عمَّا تذكر.

ثم يقول لك أحدهم «لقد تغيّرت».

تدرك حينها أنك تغيّرت وهم كذلك تغيروا، وتتمنى من قلبك أن تجد وجهاً واحداً لم يتغيّر، وجهاً ما زال يعرفك كما كنت قبل أن ترحل، وجهاً ينظر إليك بلا توقعات كما كان يفعل دائماً. وإذا كانت أمك على قيد الحياة، فغالباً ستكون هذا الوجه.

بعد أن تعود من الغربة ترى الوجوه عبر غربال، ولا يمكنك إتقان العفوية مهما حاولت، لأن «غين» الغربة والغريب والغربال والغياب والغموض والغيم والغير؛ كلها غين التُغير بعد رحلة.

ستدرك أنك ما زلت طفلاً، وأنك سافرت طفلاً وعدت طفلاً، وأنك هناك بعيداً عن وطنك كنت ترتدي قناعاً لمواجهة العالم، وعندما عدت لم تُعد قادراً على أن تفصل بين القناع والوجه.

واختلط وجهك بالقناع هنا وهناك، فتلاشى الوجه وبقي القناع الممزوج بألوان لا تُشبهك.

إنني صريحٌ معك لا أخدعك، وأخبرك بما خَبِرنا وتعلمنا وسمعنا من أحاديث الأولين.

فقد أخبرنا وليُّ الله عبدالله بن أبي الصالح أن هذه ملامح رحلتك ما لم تذكر فيها اسم الله.

فبرغم كل هذا التلاشي والألم... بمجرد أن تتذكر الله وبأنه مالك الزمان والمكان والمهيمن الذي جعل عباده بين قهره ولطفه، ورزقه وكرمه حتى تعيد تموضع نفسك، وتَكونَ قادراً على التمييز بين صوت صفير الطائر وصوت صفير الصياد!

فقط املأ حقائبك بالأثر... وتذكر أنك في رحلة إلى الله كل ما فيها سفر، وبأن كل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

Moh1alatwan @

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي