نبع مرشد... وجنوب سعد

تصغير
تكبير

قديماً، أيام استقرار لبنان، وهو تحت الوصاية السورية والرعاية الخليجية، أذكر أنني كنت متوجهاً بسيارتي إلى منطقة في «الشوف» لتناول طعام الغداء هناك في جو صيفي معتدل، وتحت خرير شلال ماء لم يتوقف منذ سنوات طويلة.

هناك، في «نبع مرشد»، يقع مطعم متواضع، لكنه في مكان ساحر خلاب تحت أحجار الجبل العملاقة لتستقر تحتها بفضل نبع ماء بحيرة جميلة تنعكس ألوان الطيف فوقها عبر اختراق أشعة الشمس الساطعة للرذاذ المتناثر مع تساقط المياه المنهمرة من أعلى الجبل إلى موقع المطعم، فتتشكل لوحة جميلة تبهج العيون، وتنخفض درجات حرارة الصيف إلى ما يشبه بدايات الشتاء المنعشة للأجساد.

الطريق من مسكننا في حمانا الجبلية المطلة على وادي لامارتين المعطر بعبق أشجار الصنوبر التي تزينه إلى موقع «نبع مرشد» في الشوف طويل وتتخلله الكثير من الطرق الجبلية، كنت أقود السيارة ومعنا العم أيوب حسين الأيوب رحمه الله، وهو الفنان الكبير الذي حفظ التراث من النسيان بلوحاته الحية، وهو العاشق للبيئة والطبيعة والتراث. في هذا الطريق الجبلي لوحات الطبيعة الخضراء لم تنقطع عن أعيننا، وحيثما يممنا شطر وجوهنا وجدنا الأشجار والأحراش والحشائش تلاعب عيوننا وتجبر وجوهنا على الانشراح.

أكملنا رحلتنا على الطريق الاسفلتي المتواضع الضيق الذي بالكاد يكفي لمرور سيارتين متعاكستين في الاتجاه، على هذا الطريق وبينما كان الراحل الأيوب يحكي لنا عن ندرة الأشجار في الكويت قديماً اللهم إلا في بعض القرى التي حباها الله بالماء، ومنها حولي قرية الأنس والتسلي، فوجئنا بشجرة كبيرة في منتصف الاسفلت تضطر السيارات لتفاديها، هذه الشجرة كانت موجودة عندما كان طريقاً للمارة والعربات، ولم يجرؤ أحد على اقتلاعها عندما تمت سفلتة الطريق قبل عشرات السنين.

أثار هذا المشهد الحسرة في نفوسنا، حيث في الكويت التي تعاني أصلاً بسبب مناخها القاسي من التصحر وندرة الغطاء الأخضر زرعت الصفصاف في الخمسينات بكثرة، ثم اقتلعته في السبعينات، وزرعت أشجار المطاط مكانه! ثم أزالتها أواخر الثمانينات، لتزرع الكوناكاربس في أول التسعينات، وبعد عشرين عاماً تبدأ رحلة اقتلاعها مع العودة إلى الصفصاف!

واليوم، بينما شجرة الطريق إلى نبع مرشد تصمد باسقة في بلد يحمي الأشجار من القطع حتى لو كانت ضمن ملكيات أراضي الأفراد، نجد الكويت التي تتضاعف فيها تكلفة زراعة ورعاية الشجرة الباسقة عن لبنان ربما بمئة ضعف، تقرر ازالة نحو 5000 نخلة باسقة كبيرة في جنوب سعد العبدالله!

يعجز لساني عن التعبير في مثل هذه الحالات، فلا أملك إلا أن أقول لا حول ولا قوة إلا بالله، ولنرفع أكفنا بالدعاء آملين أن تتوقف قرارات العته الحكومي ونرى قرارات (رشيدة)، ليس فقط في زرع الأشجار والتوقف عن قلعها، بل في زراعة مستقبل الكويت والتوقف عن محاولات قلعه.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي