No Script

اتجاهات

الانسحاب الأميركي الكامل من أفغانستان... الأسباب والتداعيات

تصغير
تكبير

إعلان الرئيس بايدن الانسحاب التام من أفغانستان بحلول سبتمبر المقبل، ليس قراراً مفاجئاً في حد ذاته، بل المفاجئ هو توقيت الانسحاب الكامل المبكر جداً ومن دون شروط حقيقية.

إذ بحسب تقديرات العديد من المراقبين ومراكز الدراسات الإستراتيجية الأميركية على وجه التحديد، وبحسب أيضاً تسريبات من داخل إدارة بايدن، فإن قرار الانسحاب التام من أفغانستان كان متوقّعاً أن يتم بحلول نهاية الولاية الأولى لبايدن، وبعد إتمام صفقة مرضية مع طالبان بعد تعثّر المفاوضات وتعليقها مع الأخيرة.

التزم بايدن إبان حملته الانتخابية بإنهاء ما أسماه «الحروب الأبدية» لأميركا، وألمح تحديداً إلى أفغانستان التي تخوض فيها أميركا أطول حرب في تاريخها، دامت ما يقرب من عقدين.

والتزام بايدن بإنهاء حروب أميركا ووجودها العسكري في مناطق لم تعد في حسبان واشنطن بأنها ذات أهمية استراتيجية كبرى خصوصاً في المنطقة، وذلك ليس بالجديد، إذ هو توجّه أو التزام أميركي إستراتيجي بدأ منذ ولاية أوباما.

حيث تنخرط واشنطن في مفاوضات مع طالبان منذ أوباما بغرض الانسحاب التام من هناك.

وقد استأنف ترامب تلك المفاوضات حتى التوصل إلى اتفاق وصف بالتاريخي مع حركة طالبان، تم بموجبه تحديد موعد انسحاب نهائي بحلول مايو 2020.

ومع ذلك، تم إرجاء قرار الانسحاب بسبب عدم التزام طالبان ببعض بنوده، لا سيما استمرار هجماتها الإرهابية على القوات الأميركية.

علّقت إدارة بايدن المفاوضات مع طالبان، بسبب عدم تعهّدها ببنود اتفاق السلام بل استمرت في سياسات التصعيد العنيف خصوصاً ضد القوات الأفغانية، بالتوازي مع إصرارها على تطبيق صارم للشريعة الإسلامية وعدم الانخراط في مفاوضات مع حكومة أفغانستان بقيادة أشرف غاني. تعليق بايدن للمفاوضات المتعثّرة للغاية مع طالبان هو ما دفع المراقبين لتوقّع عدم انسحاب سريع لواشنطن من أفغانستان.

بعبارة أكثر وضوحاً، لا انسحاب إلا بعد انتزاع ضمانات قوية من طالبان بالتخلي التام عن العنف ونبذ الإرهاب تماماً والتخلي عن دعم التنظيميات الإرهابية، خصوصاً القاعدة، ومشاركة حقيقية في حكم أفغانستان تستند على أسس نظام إسلامي توافقي معتدل.

في ما عدا ذلك، ستترك واشنطن أفغانستان فريسة سهلة لطالبان القوية على الأرض، وهو ما يعنى ضمنياً تحوّل أفغانستان مرة أخرى إلى قاعدة لتصدير الإرهاب، بل تحويل أفغانستان ذاتها إلى دولة فاشلة بنظام إسلامي شديد الراديكالية.

فاجأنا بايدن بقرار انسحابه التام والسريع غير المشروط. بعدما أفرد في خطاب قرار الانسحاب مبررات وذرائع شتى لهذا القرار المفاجئ، لكن أهم ما يجب أن نقف عنده في هذا الخطاب عبارته الواضحة التي جاءت على صيغة سؤال، وهي متى ستنسحب واشنطن من أفغانستان وكم سيتكلف استمرار بقائنا هناك؟.

عبارة أخرى قالها يجب الوقوف عندها، وهى أن أفغانستان لم تعد تمثّل تهديداً إستراتيجياً لواشنطن، لذلك الديبلوماسية وليس الحل العسكري أفضل السبل لحالة أفغانستان، كما حان الوقت لتحمل دول جوار أفغانستان مسؤولية أو دور هناك.

هذه العبارات الواضحة تحمل مضامين أخرى واضحة أيضاً، وتأتي في سياقات سابقة لها أكثر وضوحاً مؤداها بداية العد التنازلي لانسحاب عسكري تام لواشنطن من المنطقة، التي لم تعد ذات أهمية أو تهديد إستراتيجي كبير فحسب، بل الوجود العسكري القوي فيها لا بد وأن يعاد انتشاره إلى جوار التهديد الاستراتيجي الأعظم لواشنطن وهو الصين.

قرار بايدن المفاجئ أتى بعد أيام قليلة فقط من قرار تخفيض الوجود العسكري في منطقة الخليج، والذي سبقه بقليل أيضاً الخطوات التمهيدية لتشكيل ما يسمى الناتو الآسيوي بقيادة تحالف «كواد» بغرض تقويض ومحاصرة الصين في الباسيفيك. وعليه، في ظل هذه السياقات السابقة، ارتأت إدارة بايدن أن قرار الانسحاب التام السريع غير المشروط أمر ضروري للغاية، لإكمال الحصار على خطر الصين المتعاظم وهو الهدف الأسمى لواشنطن على الإطلاق.

لا جدال أن قرار الانسحاب سيكون له العديد من التداعيات شديدة الخطورة خصوصاً على أفغانستان ذاتها على المدى المنظور والبعيد. قرار الانسحاب غير المشروط يعد في حسبان طالبان القوية على الأرض التي لم تلتزم ببنود اتفاق السلام انتصاراً كبيراً لها، على إثره ستسعى إلى السيطرة التامة بالقوة على مفاصل أفغانستان لا سيما وأنها تسيطر بالفعل على معاقلها الرئيسة خصوصاً قندهار.

مما سيتبع ذلك عودة قوية للعنف المسلح ودعم قوي للتنظيمات الجهادية التي تشارك طالبان التوجه الفكري الراديكالي نفسه.

على المدى البعيد، لن تخرج أفغانستان عن سيناريوهين لا ثالث لهما: إما حكومة راديكالية متشددة تعيد أفغانستان إلى العصور الوسطى.

وإما انزلاق أفغانستان في حروب داخلية طاحنة متعددة الأطراف حتى بين التنظيمات الجهادية بعضها البعض.

نظام طالبان القوي على الأرض والقادر على الاستيلاء على الحكم، لا يزال يحمل توجهات راديكالية متشدّدة للغاية يصعب التخلّي عنها وعبر عن تمسكه ببعضها، حتى إبان مفاوضات السلام كالتطبيق الصارم للشريعة الإسلامية، مع نبذه «التكتيكي» للإرهاب والعنف والجماعات الراديكالية كالقاعدة رغم استمرار عناصره في سياسة العنف الدموي ضد القوات الأفغانية.

خلاصة القول... ستترك واشنطن أفغانستان تماماً لطالبان لأنها لا يعنيها ما سيسفر عن ذلك من تداعيات خطيرة، والتي قد يكون منها عودة سريعة وقوية لموجة جهاد إسلامي راديكالي عالمي، قد يطال واشنطن ذاتها، التي شاغلها الرئيسي هو عمل أي شيء لتقويض خطر الصين المتعاظم على هيمنتها في النظام الدولي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي