No Script

الأردن... من مخاض الولادة إلى المئوية الثانية

تصغير
تكبير

كان طبيعياً خروج الملك عبدالله الثاني برسالة مقتضبة وواضحة إلى الأردنيين بعد يومين من طي ملفّ قضيّة شغلت بالهم، كما شغلت بال المنطقة، قضيّة مرتبطة بالأمير حمزة بن الحسين وليّ العهد السابق. في النهاية طُوي ملفّ هذه القضيّة سريعاً نظراً إلى أن لا مصلحة لأيّ طرف فيها باستمرارها في بلد لا يمتلك موارد طبيعيّة تذكر من جهة ويواجه تحديات كثيرة لكلّ منها طابعها الخاص من جهة أخرى.

ثمّة حاجة لدى الأردنيين في ظلّ الأزمات التي يعيشون في ظلّها لمَنْ يطمئنهم إلى مستقبلهم. إضافة إلى ذلك، جاءت مبادرة العاهل الأردني لتكون مثابة تأكيد لوجود عقل يمتع بالصلابة والمرونة في الوقت ذاته. عقل من دون عقد قادر على مصارحة الأردنيين بما هو عليه وضعهم وبأن عليهم أن يكونوا «يداً واحدة». هذا يعني بكل بساطة أن من المهمّ بالنسبة إلى مستقبل المملكة تضافر الجهود مستقبلاً كي لا تكون هناك أي ثغرات داخليّة.

ثمّة ملاحظة مهمّة لا يمكن تجاهلها تتعلّق بالدور الأردني إقليمياً. لايزال هناك دور للمملكة الأردنيّة الهاشمية على الرغم من التغيير الكبير الذي طرأ على المنطقة في السنوات الأخيرة، إن على صعيد تراجع أهمّية القضيّة الفلسطينية أو على صعيد غياب الحاجة إلى قناة أردنية بين دول الخليج وإسرائيل.

أقدمت معظم دول الخليج العربي على خطوات جريئة في اتجاه العلاقات مع إسرائيل في وقت لم تتردّد إيران في السير في مشروعها التوسّعي القائم على إثارة الغرائز المذهبية والبناء على ذلك. دفعت إيران، بسبب تصرّفاتها التي تنم عن عدائية تجاه محيطها العربي وسعي إلى الهيمنة، في اتجاه علاقات خليجية – إسرائيلية علنيّة.

وكشفت الأزمة، أنّه على الرغم من كل ما قيل ويقال، يظلّ الأردن بلداً مهمّا في المنطقة. لا تزال المملكة موضع اهتمام عربي ودولي في آن. ليس صدفة أن الرئيس جو بايدن اتصل بعبدالله الثاني ليؤكّد له وقوف الولايات المتحدة إلى جانبه وإلى جانب الأردن. يشير اهتمام الإدارة الأميركية الجديدة بالأردن إلى أنّها إدارة مختلفة عن إدارة دونالد ترامب التي تجاهلت الأردن. لم يستطع الملك عبدالله الثاني الذي يعرف واشنطن عن ظهر قلب إقامة علاقة طبيعية مع ترامب نفسه على غرار ما كانت عليه الحال مع الرؤساء الاميركيين السابقين في السنوات العشرين الماضية. لم يكن الرئيس الأميركي السابق مهتمّاً سوى بإسرائيل وبتغطية أطماعها في القدس والضفّة الغربية، علماً أن للأردن اهتماماً خاصاً بالقدس والأماكن المقدّسة الإسلاميّة والمسيحيّة في المدينة. كذلك، لديه اهتمام بخيار الدولتين ومصلحة في ذلك. عكس اتصال بايدن بالعاهل الأردني وجود سياسة أميركية مختلفة ليس معروفاً هل تتبلور قريباً. لكنّ كلّ ما يمكن قوله إنّها سياسة مختلفة عن سياسة إدارة ترامب وصهره جاريد كوشنر اللذين كانا على علاقة وطيدة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

في الجانب الداخلي، ليس سرّاً أن وساطة الأمير الحسن عمّ الملك عبدالله والأمير حمزة أتت ثمارها وذلك بعد حصوله على رسالة موقّعة من حمزة يعلن فيها ولاءه للعرش. هذا مكّن عبدالله الثاني من القول إن «البلاد آمنة ومستقرة».‏ مشدّداً على أن الأردن محصّن بـ«عزيمة الأردنيين»، وأنّ «البلاد ‏منيعة بتماسكهم، وبتفاني الجيش والأجهزة الأمنية». قال أيضاً: «أتحدث إليكم اليوم، وأنتم الأهل والعشيرة، وموضع الثقة المطلقة، ومنبع ‏العزيمة، لأطمئنكم إلى أن الفتنة وئدت، وأن أردننا الأبي آمن مستقر. وسيبقى، بإذن الله ‏عز وجل، آمناً مستقراً، محصنا بعزيمة الأردنيين، منيعاً بتماسكهم، وبتفاني جيشنا ‏العربي الباسل وأجهزتنا الأمنية الساهرة على أمن الوطن».‏

كان لافتاً الجانب الشخصي في رسالة عبدالله الثاني وذلك عندما قال: «لم يكن تحدي الأيام الماضية هو الأصعب أو الأخطر على استقرار وطننا، ‏لكنه كان لي الأكثر إيلاماً، ذلك أن أطراف الفتنة كانت من داخل بيتنا الواحد ‏وخارجه، ولا شيء يقترب مما شعرت به من صدمة وألم وغضب، كأخ وكولي ‏أمر العائلة الهاشمية، وكقائد لهذا الشعب العزيز (...) لكنّ لا فارق بين مسؤوليتي إزاء أسرتي الصغيرة وأسرتي ‏الكبيرة، فقد نذرني الحسين، طيب الله ثراه، يوم ولدت لخدمتكم، ونذرت نفسي لكم، ‏وأكرس حياتي لنكمل معاً مسيرة البناء والإنجاز في وطن العز والسؤدد والمحبة ‏والتآخي. مسؤوليتي الأولى هي خدمة الأردن وحماية أهله ودستوره وقوانينه. ولا ‏شيء ولا أحد يتقدم على أمن الأردن واستقراره، وكان لابد من اتخاذ الإجراءات ‏اللازمة لتأدية هذه الأمانة. وكان إرثنا الهاشمي وقيمنا الأردنية الإطار الذي اخترت ‏أن أتعامل به مع الموضوع».

وأوضح: «قرّرت التعامل مع موضوع الأمير حمزة في إطار الأسرة الهاشمية، ‏وأوكلت هذا المسار إلى عمي صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال. ‏والتزم الأمير حمزة أمام الأسرة أن يسير على نهج الآباء والأجداد، وأن يكون ‏مخلصا لرسالتهم، وأن يضع مصلحة الأردن ودستوره وقوانينه فوق أي اعتبارات ‏أخرى. وحمزة اليوم مع عائلته في قصره برعايتي».‏

لم يفت العاهل الأردني الاعتراف بأنّ الأردن «يواجه تحديات اقتصادية صعبة فاقمتها جائحة كورونا، ‏وندرك ثقل الصعوبات التي يواجهها مواطنونا. ونواجه هذه التحديات وغيرها، كما ‏فعلنا دائما، متّحدين، يداً واحدة في الأسرة الأردنية الكبيرة والأسرة الهاشمية، ‏لننهض بوطننا، وندخل مئوية دولتنا الثانية، متماسكين، متراصين، نبني المستقبل ‏الذي يستحقه وطننا».‏

سيدخل الأردن يوم الحادي عشر من الشهر الجاري المئويّة الثانية لإنشاء إمارة شرق الأردن في 1921. مرّت الإمارة التي أصبحت مملكة بتحولات كثيرة. ما لا يمكن تجاهله اليوم أنّ ثمّة مخاض في المنطقة كلّها يشبه المخاض الذي ولدت منه إمارة شرق الأردن. كيف سيواجه الأردن هذا المخاض؟ لا شكّ أن لا خيار آخر سوى مراجعة تجربة السنوات الـ22 الأخيرة منذ اعتلاء عبدالله الثاني العرش خلفاً لوالده الملك حسين. تحتاج هذه التجربة إلى مراجعة في العمق، مراجعة بإيجابياتها الكثيرة وبسلبيات لا تخفى على أحد تسببت بها في أحيان كثيرة ظروف خارجة عن إرادة الملك.

لا يمكن التغلّب على كلّ هذه الظروف ومواجهة التحدّيات من دون أن يكون الأردن يداً واحدة في وقت كان بارزاً القلق الفلسطيني حيال ما حصل في الأردن. فما اكتشفه الفلسطينيون بعد سنوات طويلة أنّ الأردن حماية لهم ولما بقي من قضيّتهم وليس تهديداً لها، كما كان يتصوّر أولئك الرعاع الذين نادوا في 1970 بأن طريق القدس تمرّ بعمّان.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي