No Script

رأي قلمي

لا يُستثنى منها أحد...!

تصغير
تكبير

إنّ تطوير الخطاب ليس بالأمر السهل، بل إنّه يكاد يكون صدى أو عنواناً لتطور حياتنا العامة، وذلك لأنّ الخطاب الذي نستخدمه في حياتنا العامة إنما هو عبارة عن إستراتيجيّة للتلفّظ أو التحدّث، تتجلّى فيها مقاصدنا وعاداتنا ورغباتنا في الإرشاد والتوجيه.

إن الخطاب التنمويّ السائد اليوم، هو مخرجات تمجّد القوّة والقدرة على المنافسة، لأنه خطاب يصوّر الحياة على أنها صراع من أجل البقاء لا يفوز فيه الأفضل أخلاقاً، وإنّما الأكثر امتلاكاً لأسباب الغلبة من التمكن والقوة والدهاء والخديعة والاستغلال.

وإن التشبّع بهذه المعاني لا يعني سوى نبذ معاني الحب والرحمة والشفقة، وتسويغ معاني العنف والكراهية والانتصار والفوز الساحق، وهذا كله يعني أن خطابنا التنمويّ والإصلاحيّ العام يحتاج إلى إصلاح جذريّ حتّى يضيق الشريان الذي ينقل العنف المستبطن في الحضارة المادية التي يتظلّل المجتمع بظلالها اليوم.

لذا، نحن بحاجة إلى استشعار كرامة الإنسان في كل علاقاتنا مع بعضنا، فالله جلّ جلاله كرّم بني البشر بقطع النظر عن عقائدهم وانتماءاتهم وأشكالهم، فقال سبحانه: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا». (الإسراء: 70).

إن إهانة أو إذلال إنسان واحد يستجلب من غضب الله وسخطه ما يستجلبه إذلال واستحقار الناس جميعاً، فالهلاك ثم الهلاك لمن يستهينون بكرامة الناس.

إنّ بيئة الوسطية ميزان دقيق ومنهج شفّاف في تقويم أفعال الناس وتحديد مواقفنا منهم، ونحن نعرف أنّ التقوى هي ميزان التفاضل بين الخلق، وهذا يعني أن نعامل الناس على أساس هذه القيمة، ونغضّ الطرف عن الاعتبارات الجزئيّة، مثل: الانتماء القبلي والطائفي والإقليمي، ومسائل الحسب والنسب والمصالح والمنافع المادية؛ فالصواب صواب والخير خير، والشرّ شرّ والخطأ خطأ بقطع النظر عمّن يفعله، هذه الموضوعيّة توفّر قدراً كبيراً من الأريحيّة الاجتماعيّة، ما يجعل الجميع يشعرون بالإنصاف وبوجود أساس واضح لبروز اتجاهاتهم ومكانتهم الاجتماعية.

إن الرفق شيء جوهري في إحياء البعد الإنساني في خطابنا وفي كل أمر من أمور حياتنا، فالرفق يبعد شبح العنف عن مجتمعاتنا، لأنهما - الرفق والعنف - متضادان فإذا كان العنف عبارة عن التعامل مع الأشياء من خلال القسوة والشدة وانطلاقاً من الغريزة وسوء الفهم، فإن الرفق يعني مقاربة الأشياء من خلال اللطف واللين والسهولة وحسن التفهّم، وأكثر من يحتاجون إلى أن نعاملهم برفق ولطف هم الضعفاء من الرجال والنساء، لأن هؤلاء هم أكثر من يتعرّضون للعنف والتجبّر.

نريد للطف في تناول الأمور ومعالجة المشكلات وتلافي الأخطاء، أن يسري في حياتنا كما يسري الماء في العود الأخضر، وهذا يحتاج أن نشعر أنه مسؤولية جماعيّة لا يُستثنى منها أحد.

M.alwohaib@gmail.com ‏@mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي