التقط فيروس نقص المناعة المكتسبة بسبب حجامة ملوثة

«مُتعايش» يروي لـ «الراي» خفايا العالم السري لـ «الإيدز»: أصبتُ بلا ذنب... وانقلَبَتْ حياتي

المتعايش مع «الإيدز» يروي معاناته للزميل غانم السليماني 	 (تصوير نايف العقلة)
المتعايش مع «الإيدز» يروي معاناته للزميل غانم السليماني (تصوير نايف العقلة)
تصغير
تكبير

في سن الـ25 أوج الشباب والحيوية، أغلق مُصاب كويتي بفيروس نقص المناعة المكتسبة «الإيدز» باب العيش والاختلاط مع الآخرين واختار الوحدة والانفراد لـ«التعايش» مع مرضه، فكل العيون المحيطة به قد تبعث نظرات الاشمئزاز والانحطاط، لذلك أخفى خبر إصابته عن الجميع... وحتى أهله.

«المتعايش» - كما يصف نفسه ويصفه كثيرون - دخل «الراي» متخفياً - بناء على شرطه - ليفتح الأبواب الخفية لعالم «الإيدز» بعد أن أصيب بفيروس «HIV» إثر إجرائه حجامة ملوثة، علماً أن الحجامة هي من أنواع الطب التقليدي، وتجرى عبر أكواب معينة يتم وضعها على الجلد لسحب الألم، وزيادة تدفق الدم إلى أنحاء الجسم.

العدوى حوّلت حياته إلى جحيم وكابوس لا يُطاق، بسبب الخوف من نظرة المجتمع الذي يحمل أفكاراً مسبقة عن المصابين بمرض «الإيدز»، لأن قسماً منهم قد يكون أصيب بالفيروس بلا ذنب أو بالخطأ.

لكن تلك النظرة بسبب غياب الوعي، تحوّل حياة المصابين من مرضى إلى «مُتعايشين» غارقين في كابوس الوحدة والقلق، الأمر الذي يدفع قسماً كبيراً منهم إلى التفكير بالهجرة أو الانتحار.

«المُتعايش» الذي دخل عالم «الإيدز» قبل نحو ثلاثة أشهر، يشكل حالة نادرة وسط أقرانه، فاختار المواجهة بدلاً من التخفي وراء الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي التي يلجأ إليها المتعايشون للتعبير عن آرائهم وهمومهم، لعله يسهم في إنقاذ من سبقوه ويخلق واقعاً جديداً للمصابين كي يعيشوا حياة كريمة بدلاً من الانزواء خلف الجدران.

وبنبرة حزينة، قال المتعايش «بدأت قصتي مع فيروس الإيدز عندما توجهت إلى بنك الدم للتبرع بالدم، وكان هدفي إنسانياً لمساعدة المرضى والمصابين وأنهيت المهمة الإنسانية بشكل طبيعي، لكن بعد 10 أيام تلقيتُ اتصالاً من وزارة الصحة (ألو... أنت تبرعت بدمك لو سمحت راجعنا في منطقة الصباح الطبية)... هنا شعرت بالخوف وكنت أتوقع أنني مصاب بفيروس كورونا، فذهبت إلى المكان المطلوب وهي إدارة الصحة العامة، وعندما دخلت طلبوا مني التوجه إلى إحدى الغرف في الدور الثالث، فقرأت لوحة مكتوب عليها إحصائية المصابين بالإيدز وبدأت تساورني الشكوك والمخاوف، وكنت مصدوماً فنزلت مسرعاً إلى موظف الاستقبال وقلت له: الدور الثالث مال شنو؟ فأجاب: ماكو شي روح للطبيب وأنت ستعرف كل شي؟ فعدتُ أدراجي للدور الثالث مرة أخرى ودخلت على الطبيب، وهنا بدأت رحلتي المؤلمة المليئة بالعذاب مع مرض الإيدز وعالمه المخيف».

وأضاف: «في البداية طرح علي الطبيب بعض الأسئلة منها تعاطي المخدرات... وممارسة الجنس، فأجبتُ بأنني لم أمارس الجنس في حياتي فأنا غير متزوج وليس لي علاقات، كما أنني لا أتعاطى المخدرات، لكنني عملتُ حجامة لدى شخص في منطقة السالمية، بسبب ألم في ظهري نتيجة الجلوس لساعات طويلة في العمل فذهبت إلى ذلك الشخص لعمل حجامة لعلها تخفف من ألمي».

وهنا كانت المفاجأة عندما أخبر الطبيب «المتعايش» بأنه المصاب رقم 3 بسبب تلك الحجامة الملوثة غير المرخصة في تلك العيادة، وأبلغه أن عدد المصابين في الكويت يقدر بنحو 700، ثم بدأ بشرح تفاصيل المرض له، وصرف له دواء، عبارة عن حبة واحدة في اليوم.

وقال المصاب واصفاً وضعه في تلك اللحظة: «أصبتُ بالانهيار وأجهشتُ بالبكاء، وكانت الأسئلة تقتحم عقلي: كيف أقول لأهلي أنني مصاب بالإيذر؟ هل سيتقبلني المجتمع؟ بصراحة الدنيا دارت فيني وشعرت أن المرض أكبر مني بكثير ولن أستطيع مقاومته... حاول الطبيب أن يهدئ من روعي وقال إن المرض ليس نهاية الحياة... وبدأت بعدها أتعرف أكثر على المرض».

وأوضح أن «الدواء يتسبب في هبوط ودوخة... وكنت أعمل حسابي ألف مرة قبل أن أتناوله خشية أن ينكشف أمري أمام أهلي الذين لا يعلمون بإصابتي، ولم أبلغ أي مخلوق بسبب الخوف من نظرة المجتمع الدونية وكلام الناس، فأنا أتألم ولا أحد يعرف حجم الألم... باختصار كنت أتألم بصمت».

ومضى قائلاً بعد أن توقف عن الحديث قليلاً وهو يتنهد حزناً: «إثر ذلك، بدأت رحلتي الحقيقية مع المرض وراجعت العيادة الخارجية الموجودة في المستشفى التلطيفي في منطقة الصباح، وهذا في حقيقة الأمر غير مقبول ولم أتقبله لا أنا ولا المتعايشون الآخرون الذين يجدون مشكلة كبيرة في المراجعة الدورية بسرداب كئيب في العيادة التلطيفية، وهي مخصصة لمن يعانون من الأمراض المزمنة التي لا يمكن علاجها، وهذا لا ينطبق على المصابين بمرض الإيدز، ناهيك عن الأجواء الكئيبة في السرداب... فعندما دخلت أول مرة بكيتُ بحرقة».

وأضاف: «قطعتُ علاقتي مع جميع أصدقائي وبدأت رحلة الهروب وفتحت حساباً وهمياً في (تويتر) باسم (متعايش مع الإيدز) وكانوا يدخلون علي ويشتموني بأفظع الكلمات ويدعون علي بالسخط والغضب... وتعرفت في (تويتر) على مجموعة من المتعايشين وكوّنا علاقات صداقة لتبادل المعلومات والأفكار ورفع معنويات بعضنا البعض، فنحن لا نستطيع أن نكشف عن أسمائنا لكي لا يعرفنا أحد، لأن هناك نظرة سلبية ومعاناة بسبب التمييز ضد المتعايشين مع الإيدز... فمن ناحية الحقوق الوظيفية المتعايش لا يستطيع أن يعمل في السلك العسكري ولا القطاع الصحي بالرغم أن هذا الأمر مسموح في دول أخرى، وحتى في موضوع التقاعد الطبي المتعايش إذا طلب تقاعداً طبياً يتقاضى 50 في المئة من راتبه عكس الإنسان الطبيعي الذي يأخذ راتبه كاملاً... وأنا أعرف متعايشاً راتبه تقريباً 300 دينار ويجد صعوبة في الإيفاء بمستلزماته واحتياجاته، إلى جانب حرمان المرأة المطلقة من حقها بالسكن إذا رغبت في الزواج من متعايش، فهناك نساء متعايشات يعانين بشكل كبير بسبب التمييز في حقوقهن إلى جانب الرجل أيضاً».

ولفت إلى أن «الكثير يعتقدون أن مرض الإيدز يصيب الرجال والنساء بسبب العلاقات الجنسية، ويتناسون الأسباب الأخرى مثل الحجامة وزراعة الشعر وأخذ حقنة ملوثة، مما ولد مفاهيم خاطئة وخلق نظرة دونية تجاه المصابين بالمرض».

ورأى أيضاً أن «ثمة تجاهلاً كبيراً للغاية لحقوق الإنسان للمتعايشين، كأن ليس لهم الحق في الحياة، فجميع المتعايشين يتعرضون للتمييز وعدم المساواة وغياب الخصوصية ولا يتمتعون بحرية التعبير والرأي والحق في تلقي المعلومات... بعض الأطباء يتجاهلون أسئلة المتعايشين ويردون عليهم (بنعم أو لا) فقط، ولا توجد لدينا حرية تكوين الجمعيات، والحق في الزواج وتأسيس أسرة، لذلك الكثير منا يفكر بالهجرة وأنا منهم فكرت بالهجرة وأكثر من مرة فكرت بالانتحار».

احترام الحقوق والنظرة الدونية

أكد «المتعايش» أن «الخوف من انكشاف السر يحول دون حصول المصابين بالإيدز على علاجهم، وقد يضر ذلك بحقهم في العمل وحقهم في السكن وغيرهما من الحقوق، كما أن تعرضنا للنظرة الدونية يمنعنا من الاتصال بالخدمات الصحية إضافة إلى غياب الخدمات الاجتماعية والنفسية، وأكثر ما يقلقنا الحصول على المعلومات الصحيحة والمشورة الصحيحة إلى جانب أن الاعلانات الخاطئة ساهمت لفترات طويلة في نشر الفكر السلبي الخاطئ عن الإيدز، كونه مرضاً قاتلاً ومخيفاً، كما ساهمت بشكل كبير في وصم المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري كمجرمين ومذنبين يستحقون العقاب».

وأضاف: «يجب على المجتمع التعامل معنا بإنسانية واحترام حقوقنا وخصوصية المتعايشين وأن يحفظوا كرامتنا مثل أي فرد في المجتمع ولا ينتهكوا حقوقنا».

الفيروس لا ينتقل بالاختلاط اليومي

أكد المصاب أن «فيروس (HIV) يصيب جهاز المناعة عند البشر إذا دخل مجرى الدم وبدأ في التكاثر، وقد لا تظهر على الأشخاص الحاملين للفيروس أعراض لمدة عشر سنوات أو أكثر، لذلك فإن اكتشاف الإصابة مبكراً يسهل من فرص تلقي الرعاية الطبية مبكراً وعدم تأثير الفيروس على صحة وحياة المصاب به»، مشيراً إلى أنه «من دون تلقي الرعاية الطبية المناسبة يصبح الشخص حاملاً للفيروس وبمرور الوقت يكون غير قادر على مقاومة الأمراض».

ولفت إلى أن «مرض الإيدز من الأمراض المعدية وليس من الأمراض السارية التي تنتقل عن طريق الاختلاط اليومي العادي بين الأشخاص مثل الإنفلونزا، إذ ينتقل عندما يختلط دم أو سائل منوي من شخص حامل للفيروس مع مجرى دم شخص آخر».

انتقاد وزارة الصحة

انتقد المتعايش تعامل وزارة الصحة مع المصابين بـ«الإيدز»، مشيراً إلى أنه توجد لوحة في العيادات الطبية مكتوب عليها «مانبي اسمك نبي سلامتك».

وكشف أنه رغم ذلك «إلا أنهم يأخذون كل بياناتك وهذا يتناقض مع شعارهم، ويدفع الكثيرين لعدم مراجعة الوزارة خشية انكشاف أسمائهم وفضحهم».

10 آلاف دينار لتزويج المتعايشين

يوجد في الكويت خطابة واحدة تُعنى بتزويج المصابين بالإيدز مقابل مبلغ 10 آلاف دينار، حيث سبق أن زوجت متعايشين بهذا المبلغ. ويعود ارتفاع السعر إلى الحفاظ على السرية.

القانون يفرض السرية

ينص القانون الكويتي على أنه يجب على جميع العاملين في مجال الخدمات الصحية في الكويت المحافظة على سرية المعلومات الخاصة بالمصابين بفيروس الإيدز، ولا يجوز إفشاء هذه المعلومات إلا للجهة التي يحددها وزير الصحة العامة أو في الأحوال التي يحددها القانون.

الفحص بموافقة خطية

لا يجوز لأي طبيب فحص أي شخص للتأكد من خلوه من فيروس الإيدز إلا بعد الحصول على موافقته خطياً على هذا الفحص، وفي حالة رفضه يمتنع الطبيب عن فحصه.

ومع ذلك يجوز للجهة المختصة بوزارة الصحة العامة إجراء الفحص لأي شخص ترجح دلائل إصابته بفيروس الإيدز، رغم معارضته للفحص وذلك بقصد التأكد من خلوه من الفيروس.

الحملات المشوهة

هناك العديد من الإعلانات التي تشوّه صورة المرض وتبيّن للمجتمع أن المصاب به ينقل الفيروس بطرق غير شرعية مثل (العلاقات الجنسية - نقل الدم - الأم المصابة للجنين - تعاطي المخدرات).

ومن خلال هذه الحملات المشوهة، ترسخت في أذهان الكثيرين أن المصابين كانوا يمارسون الزنا أو يتعاطون المخدرات، في حين أن هناك أسباباً أخرى مثل الحقن الملوثة، والحجامة غير المرخصة.

ومن المقولات الخاطئة أن المصاب بالإيدز يعيش بشكل «تقريبي» مع الشخص السليم، وهذا علمياً خطأ، لأن المصابين يعيشون حياتهم ولا يعانون من أعراض، وعلاجاتهم متوافرة.

«كورونا» و«الإيدز»

رأى المتعايش أن هناك انتهاكاً لخصوصية المصابين بـ«الإيدز» في ما يتعلق بتلقي اللقاح المضاد لفيروس «كورونا»، معتبراً أنه «يجب توافر اللقاح في العيادات الخاصة بالمتعايشين طالما أن لهم الأولوية بذلك، لأن الجميع يرفض التسجيل عبر الموقع الإلكتروني لوجود ضمن الخيارات (نقص المناعة المكتسبة)، وبالتالي سيتم كشف الاسم في الموقع وهو أمر يخشاه كثيرون».

ما هو «الإيدز»؟

الإيدز أو السيدا أو متلازمة نقص المناعة المكتسبة (بالإنكليزية: AIDS، وبالفرنسية: SIDA) هو مرض يصيب الجهاز المناعي البشري ويسببه فيروس نقص المناعة البشرية فيروس «إتش أي في» (HIV).

وتؤدي الإصابة بهذه الحالة المرضية إلى التقليل من فاعلية الجهاز المناعي للإنسان بشكل تدريجي ليترك المصابين به عرضة للإصابة بأنواع من العدوى الانتهازية والأورام.

وينتقل فيروس نقص المناعة إلى المصاب عن طريق حدوث اتصال مباشر بين غشاء مخاطي أو مجرى الدم وبين سائل جسدي يحتوي على هذا الفيروس مثل: الدم أو السائل المنوي للذكر أو السائل المهبلي للأنثى أو المذي أو لبن الرضاعة الطبيعية.

من ثم، يمكن أن ينتقل هذا الفيروس من خلال الاتصال الجنسي غير الآمن، أو من خلال عملية نقل الدم، أو من خلال إبر الحقن الملوثة بهذا الفيروس، أو يمكن أن ينتقل من الأم إلى جنينها خلال مرحلة الحمل أو الولادة أو الرضاعة أو من خلال أي عملية تعرض أخرى لأي من السوائل الجسدية سالفة الذكر.

ويعتبر مرض الإيدز جائحة (من الأمراض الوبائية والمتفشية).

وعلى الرغم من أن الوسائل العلاجية قد تُبطئ عملية تطور المرض، إلا أنه لا يوجد حتى الآن أي لقاح أو علاج له.

ونظراً لصعوبة علاج الإصابة بالفيروس، فإن الوقاية من التعرض للعدوى به تعد هدفاً رئيسياً في سبيل التحكم في انتشار مرض الإيدز كوباء.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي