كتاب جديد لتوثيق تجربة «من همَّشه التاريخ التقليدي»
العبودية... في الخليج
- هشام العوضي:
- أهل الكويت كانوا من أحسن «الأسياد»
- الكويتي كان يشتري الهدايا والملابس للعبيد في العيد
- ليس من المعيب إلقاء الضوء على هذا التاريخ بل من الضروري إنارة تلك الفترة
- دورهم كبير وكانوا اليد العاملة الأكثر تأثيراً منذ فترة اللؤلؤ وصولاً إلى فترة إنتاج النفط
- هناك فرق بين تجارة العبيد والرق كنظام اجتماعي
- تجارة العبيد أوقفها أحمد الجابر في العشرينيات... وإلغاء الرق رسمياً كان في 1952
- فصل كامل في الكتاب عن تأثير العبيد في ثقافة واقتصاد الخليج
- كان يُسمح للعبيد باللجوء إلى الوكالة البريطانية للتقدّم بطلب العتق في حال ثبوت سوء المعاملة
- إلى جانب الوثائق البريطانية استند الكتاب إلى ما يزيد على 50 مصدراً من المراجع الأجنبية والعربية
- الكتاب يهدف إلى تناول تاريخ الخليج ويهتم بجميع الشرائح وليس النخب فقط
- يغطي الفترة من منتصف القرن التاسع عشر وحتى الخمسينيات والستينيات
فتح أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية في الكويت الدكتور هشام العوضي ملف العبيد في الجزيرة العربية عبر إصداره الجديد «تاريخ العبيد في الخليج العربي»، الذي حوى تأريخاً تفصيلياً لحياة العبيد الذين عاشوا في المنطقة.
وأكد العوضي في تصريح لـ «الراي»، أن «تسليط الضوء على هذا النوع من التاريخ يأتي من باب التأكيد على أن هؤلاء الذين عاشوا في هذه المنطقة، لهم تاريخ، وساهموا مساهمة كبيرة في بناء هذه المنطقة»، موضحاً أن «دورهم، ودور أجدادهم كبير وعظيم في تأمين أوضاع اقتصادية أتاحت العيش لكل السكّان، ولو كان ذلك على حساب تعبهم».
واعتبر العوضي أن «العبيد كانوا اليد العاملة الأكثر تأثيراً، منذ فترة اللؤلؤ وصولاً إلى فترة إنتاج النفط، وأنه ليس من المعيب إلقاء الضوء على هذا التاريخ، بل من الضروري إنارة تلك الفترة للتصالح معها وعدم إنكارها».
دور مشرّف ولفت إلى أن «الكتاب يهدف إلى تناول تاريخ الخليج وفق منهج التاريخ الجديد، الذي يهتم بدراسة جميع الشرائح التي عاشت في الماضي، وليس النخب السياسية أو الاقتصادية فقط، ويشمل ذلك صيادي اللؤلؤ، والبدو، والرعاة، والمزارعين، والحرفيين، والأقليات العرقية والدينية، وتوثيق تجربة كلّ من تجاهله أو همَّشه التاريخ التقليدي والرسمي»، موضحاً أن «الفترة الرسمية التي يغطيها الكتاب تمتد من منتصف القرن التاسع عشر وحتى انتهاء نظام الرق في الخمسينيات والستينيات».
وبيّن أن «موضوع الكتاب يدور حول الدور الذي لعبته هذه الشريحة في المجتمع الكويتي ثقافياً واجتماعياً وحضارياً، ويجب أن نقرأ الكتاب كي نتعرف على هذا الدور بالتفصيل، وهناك فصل كامل بعنوان حياة العبيد في الخليج أتحدث فيه باستفاضة عن تأثير العبيد في ثقافة واقتصاد الخليج.
ومن المهم أن يدرك الجميع أن دور العبيد كان مهماً ومشرفاً في بناء وازدهار المجتمع الخليجي، فقد تركوا أثراً واضحاً في اللغة، والفن والعادات والطعام والملابس، فضلاً عن دورهم المهم في الاقتصاد قبل وبعد النفط».
الوثائق البريطانية وعما إذا كان بالإمكان اللجوء إلى مصادر أخرى غير الوثائق البريطانية للتأكد من دقة الروايات، أجاب العوضي «الوثائق البريطانية كانت أحد أهم المصادر التي وثّقت جوانب شخصية واجتماعية مهمّة عن حياة العبيد في تلك الفترة. فالوكالات البريطانية في الخليج، بحسب الاتفاقيات مع الحكّام المحليين، كانت تسمح للعبيد باللجوء إلى الوكالة البريطانية، والتقدّم بطلب العتق في حال ثبُت تعرّضهم إلى سوء المعاملة.
وتطلّبت إجراءات الوكالة تعبئة استمارة مفصّلة عن العبد: اسمه، وعمره، وموطنه الأصلي، والديار أو المناطق التي مرَّ بها منذ استرقاقه.
وعلى الرغم من أن عدد الذين لجأوا إلى الوكالة البريطانية كان محدوداً، إلا أن إفاداتهم الموثّقة شكّلت مرجعاً مهماً عن حياة العبيد، وأهمية أدوارهم الاجتماعية والاقتصادية.
ولكن الكتاب يستند إلى مصادر أخرى أجنبية زادت على الخمسين كتاباً ودراسة علمية محكّمة، فضلاً عن المراجع العربية».
نظام الرق وشدد على ضرورة «أن نفرّق بين تجارة العبيد، وبين الرق كنظام اجتماعي كان قائماً في المنطقة»، لافتاً إلى إنه «بالنسبة لتجارة العبيد فقد توقفت في الكويت منذ العشرينيات.
وقد أعلن الشيخ أحمد الجابر، رحمه الله، أن محاكم الكويت لن تعترف أو تنظر في القضايا المتعلّقة بالرّق.
كما وعد بعتق كل من أعلن عن رغبة أو تقدّم بطلب للحصول على حرّيته.
وأما إلغاء نظام الرق نفسه، فقد ألغي في الكويت العام 1952، وهي السنة نفسها التي ألغت فيها قطر الرق أيضاً، وقد ألغت السعودية الرق في العام 1962، وألغته الإمارات في العام 1963، فيما ألغته عُمان في العام 1971».
وفي إطار حديثه عن الكويت، لفت العوضي إلى أن «الوثائق البريطانية ذكرت أن التجار في الكويت كانوا من أحسن الأسياد في التعامل مع عبيدهم، وأشارت إلى أن أحدهم أعتق عبيده في العام 1928 ومنحهم بيوتاً خاصة بهم».
ونقل العوضي عن جون دانيالز وهو أحد البريطانيين الذين عملوا في الكويت بين الأربعينيات والستينيات تأكيده أن «العبيد تلقوا معاملة جيدة في الكويت وأن قائمة مشتريات السيد بمناسبة عيد الأضحى المبارك كانت تشمل شراء الملابس والهدايا للعبيد».
لماذا هذا الملف الشائك؟
بسؤال العوضي عن أسباب اختياره لهذا الموضوع الشائك، أجاب قائلاً «اخترته بالضبط لأنه شائك.
وهذا الذي يحفزني للبحث والكتابة في التاريخ، فالهدف من أي بحث أن يضيف جديداً، ويجدّد في القناعات، ويكشف عن رؤى وتحليلات جديدة، وإلا اعتبر العمل مكرراً ومملاً».
العبيد المخصيّون لحراسة الحريم
وفي معرض إجابته عن سؤال حول العبيد المخصيين، أجاب بالقول «اشتغل العبيد المخصيّون في حراسة وخدمة الحريم أيضاً.
ولم تكن أعدادهم كبيرة في الجزيرة العربية، مقارنة بالحرمَين الشريفين.
ما جعل الحصول على معلومات دقيقة أو مفصّلة عنهم أمراً صعباً.
ولكن هناك دراسات علمية عن هذا الموضوع، خاصة في بلاط الدولة العثمانية حيث استخدم العبيد المخصيون أو الأغوات كما كان يطلق عليهم في خدمة حريم السلطان، وفي الجزيرة العربية في خدمة الأماكن المقدسة أيضاً.
كما لعب الأغوات دوراً كبيراً في بلاط الحكام المصريين، إذ حظي الأغوات الذين خدموا والدة الخديوي عباس والخديوي إسماعيل مثلاً على نفوذ كبير في القاهرة».
معظم مَن تم بيعهم في أسواق الخليج كانوا أحراراً تم اختطافهم بالقوة... وشراؤهم محرّم شرعاً
بسؤال العوضي عن أسباب اختيار مفردة العبيد وليس مفردة أخرى أقل حدة، أجاب قائلاً «من المهم أن نؤكد، وبصرف النظر عن التصور الشائع عند استخدام المفردة، أن العبيد لم يكونوا من الأفارقة فحسب، ولكن من فارس والهند وبلوشستان، كما أن الأفارقة في الخليج لم يكونوا كلّهم عبيداً. وقد اعتبر الكثير من العلماء مثل الشيخ محمد عبده وغيره أن معظم من تم بيعهم في أسواق العبيد في الخليج لم يكونوا عبيداً في الحقيقة ولكن أحراراً تم اختطافهم بالقوة، وأفتى الكثير من العلماء من المذاهب السنيّة والشيعية والإباضية بحرمة شرائهم».
أسواق العبيد في الكويت
في معرض إجابته عن سؤال حول ما إذا كان هناك أسواق للعبيد في الكويت، أجاب العوضي قائلاً «كانت أسواق العبيد موجودة في الكويت وفي الموانئ الخليجية الأخرى مثل الشارقة والبحرين والدوحة، كما كانت موجودة في جدة، ومكة والمدينة، وخاصة في مواسم الحج. وهناك فصل مثير وشيّق في الكتاب بعنوان تجارة العبيد، أتكلم فيه باستفاضة عن أسواق العبيد، وما كان يحدث فيها».
قسم عن الإماء
سألنا العوضي: لماذا سميت الكتاب بالعبيد ولم تأتِ على ذكر الإماء في العنوان؟ فأجاب قائلاً «العبيد تشمل الرجال والنساء، وهناك قسم كامل في الكتاب بعنوان الإماء، تحدثت فيه باستفاضة عن الإناث».
براودي: موضوع غير مرحب بمناقشته في الخليج
نقل العوضي فحوى حوار مع جوزيف براودي المتخصّص في شؤون الخليج حول أهمية العبيد في الخليج العربي، لافتاً إلى أن براودي قال «إن الكلام في هذا الموضوع غير مرحَّب بمناقشته على نطاق واسع في مجتمعات ودول الخليج... وبعض المواطنين لا يحبّون الخوض في هذا الموضوع ويعتبرون أن طرح أي نوع من الأسئلة عن الأصول العرقية وتاريخ العائلات هو من الموضوعات المحظورة».
زدانوسكي: سعيد أنّ كويتياً يواصل البحث في موضوع العبيد
قال المؤرخ جيرزي زدانوسكي مؤلف كتابي «الرّق في الخليج في النصف الأول من القرن العشرين»، و«التحدّث بأصواتهم: حكايات العبيد في الخليج في القرن العشرين»، «أنا سعيد أن أعرف أن كويتياً يواصل البحث في موضوع العبيد في الخليج».
تيم نيبلوك: موضوع طالما كان مخفياً
قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اكستر في المملكة المتحدة البروفيسور تيم نيبلوك «إنه موضوع طالما كان مخفياً وراء الستار، وهو جزء مهم وضروري من تاريخ الخليج العربي».