رؤية من زاوية أخرى لعسكريين وصحافيين فرنسيين... شاركوا في حرب التحرير

تصغير
تكبير

خلال شهر يناير الماضي، نشرت «الراي» 5 شهادات كتبها جنود فرنسيون شاركوا في «عملية داجيت»، تخليداً لذكرى انطلاق الحملة الجوية لتحرير الكويت قبل 30 عاماً، والتي وصفت العمليات العسكرية.

هنا عودة إلى زاوية أخرى لهذه الحرب، من منظور مختلف، وليس العسكري فقط، شهادات للتاريخ تنشر للمرة الاولى، لجنود شاركوا في حرب تحرير الكويت، زودوا «الراي» بصور حصرية لمشاركاتهم، وهم مهندس قتال الميدان في الجيش الفرنسي العقيد دينيس بوليه، الذي شرح كيف استطاع تدمير كميات هائلة من الذخيرة التي خلفها العراقيون، والرائد بحري جيري فيرجوه، الذي تحدث عن مهمته البحرية قبالة السواحل الكويتية، إضافة للمراسل الخاص في مناطق الحرب الإعلامي الفرنسي بيير بايل، الذي شرح لماذا كانت هذه الحملة فاتحة حقبة جديدة في التغطية الإعلامية.

العقيد بوليه: جثث على الأرض... وغيوم سوداء في الظهيرة

- وصلت إلى الكويت بعد التحرير بقليل... كان مشهداً لا يُصدق

- قررنا تنظيم حفلة للقاء الكويتيين وبالصدفة اكتشفنا لغماً على الشاطئ

- عملية «داجيت» الأولى في سلسلة مشاركات صعبة للجيوش الفرنسية

- أشعر بالجيش في صميمي وأردت عيش شغفي بالاستمرار كجندي

• العقيد دينيس بوليه، ماذا كانت وظيفتك خلال عملية «داجيت»؟

- كنت قائداً للسرية الثالثة من لواء المهندسين الأجانب السادس، شارك اللواء من الفرقة الأجنبية، في الحملة العسكرية ضد الجيش العراقي، وبعد خروج القوات العراقية، تم تكليفه بتطهير بعض المناطق التي دارت فيها المعارك وتدمير مخزون هائل من الذخيرة العراقية.

وبعد ذلك تم نقل جزء من اللواء إلى الكويت وكانت مهمتنا تنظيف وإزالة الألغام ومساعدة السكان المدنيين الكويتيين (خصوصاً المرضى والجرحى)، لقد عملنا بالشراكة مع لواء مهندسي المظلات السابع عشر.

استمرت أعمال التطهير وإزالة الألغام من أول مارس لغاية 15 مايو، وكانت مفرزة اللواء تحت قيادة المقدم دانيغو، نائب قائد اللواء.

• صف لنا لحظة مثيرة في هذه الحملة؟

- لقد مررت بالعديد من اللحظات المثيرة خلال الحرب، واليوم الذي أدهشني أكثر من غيره وبلا شك، يوم 24 فبراير في الساعات المبكرة من الصباح، حيث شنت الفرقة الفرنسية بأكملها هجومها نحو الشمال، وكنت مع الأوائل الذين عبروا الحدود العراقية، وكانت مهمتي فتح الطريق أمام الفرقة في حال وجود عوائق طبيعية أو غير طبيعية.

هناك تساءلت عن العدد الذي سيبقى لي من الرجال في السرية في نهاية اليوم، ولحسن الحظ لم نفقد أي رجل في ذلك اليوم، لكن للأسف تكبد الفريق خسائر في ما بعد.

•متى دخلت الكويت؟ هل هناك شيء لفت انتباهك؟

- وصلت إلى الكويت بعد التحرير بقليل، لقد كان مشهداً لا يصدق!

كانت آبار النفط المشتعلة تطلق غيوماً سوداء كثيفة، نشعر وكأننا نعيش في الليل باستمرار... حتى في الظهيرة!

وانخفضت درجات الحرارة بعدة درجات بسبب السماء الملبدة بالأدخنة، وظهرت البلاد بمنظر قتال انتهى للتو «جثث على الأرض وأعمدة دخان من الدبابات العراقية المدمرة».

•هل استفدت من دروس الحملة في حياتك المهنية المستقبلية؟

- لقد أثرت فيّ الحملة طوال مسيرتي المهنية.

أدرك بأنني شاركت في عملية عسكرية واسعة النطاق، وكان التحالف أكبر تحالف عسكري منذ الحرب العالمية الثانية.

كانت عملية داجيت الأولى في سلسلة من المشاركات المكثفة والصعبة للجيوش الفرنسية لا سيما معنوياً وفي خسائر الأرواح.

شخصياً، لقد غيرت وجهة نظري تجاه الأحداث اليومية.

• ما مسؤولياتك الحالية؟

- تقاعدت من الجيش الفرنسي عام 2014، ولكنني ما زلت أشعر بالجيش في صميمي وأردت أن أعيش التزامي وشغفي بالاستمرار.

كجندي احتياطي، أعمل حالياً على مواضيع عدة للإفادة بخبرتي: تنظيم قواتنا البرية ونظم معلومات الموارد البشرية.

لغم على الشاطئ قبل حفل اللقاء مع الكويتيين ذكر العقيد بوليه أن «مهمة فريقي كانت تنظيف الشواطئ الكويتية، اعتباراً من 1 مارس، وكان من الضروري أن يستأنف السكان المدنيون حياتهم الطبيعية.

ولذلك قررنا تنظيم حفلة تتيح لنا لقاء الكويتيين.

وفي صباح 1 أبريل، بعد أن تم تنظيف كل شيء بعناية، أجرينا تفتيشاً قبل عرض التحية.

وبالصدفة، اكتشفنا لغماً على الشاطئ! ربما أعادته تيارات المد والجزر».

فيرجوه: النفط المسكوب أقفل الميناء

• الرائد بحري جيري فيرجوه، ما وظيفتك خلال عملية «داجيت»؟

- كنت أعمل على متن سفينة الدعم المتحرك «لوار»، على سطح إقلاع الطائرات المروحية، وكانت إحدى مهماتي إخراج الطيارين من النار في حالة وقوع حادث، كانت السفينة التابعة للقوة البحرية الفرنسية متخصصة في مكافحة الألغام وشاركت في الحملة العسكرية ضد الجيش العراقي.

وبمجرد الانتهاء من المهمة التحقنا بجنوب الخليج العربي مع السفن المكافحة للألغام إيجل، ساجيتير وبيجاس، وشاركنا في عمليات إزالة الألغام على السواحل الكويتية، اعتباراً من 30 يناير 1991.

منذ وقف إطلاق النار في 28 فبراير 1991 أصبحت مكافحة الألغام أولوية حيث شاركت السفينة «لوار» في تنظيف السواحل الكويتية ضمن تحالف يضم قوات فرنسية وبلجيكية وهولندية المجهزة بأجهزة كاسحة للألغام التي تم بناؤها بالاشتراك مع هذه الدول الثلاث ووُضعت تحت قيادة تكتيكية دوارة.

وكانت عمليات مكافحة الألغام فرصة لإثبات هذا التخصص الفرنسي والأوروبي المعترف به والمقـــدّر من قِبل الدول المجاورة والأميركيين الذين ليـــس لــــديهم كــــاسحات الألغام.

بعد التحرير، طلبت الكويت المساعدة من أجل إبطال مفعول حقول الألغام العراقية المزروعة، استعداداً لهجوم برمائي على مدينة الكويت.

وبدلاً من العثور على الألغام قرب الشواطئ كما كنا نتوقع، اكتشفنا وجود ستة حقول ألغام وأربعة خطوط ألغام بعيدة من السواحل.

ودمرت القوات المتعددة الجنسيات 530 من أصل 1240 لغماً تم تدميرها بما في ذلك 213 لغماً دمرتها السفن الفرنسية، وانتهت العملية في 16 يوليو 1991.

• صف لنا لحظة مثيرة في هذه الحملة.

-كان أول لغم تم تحديده والتعامل معه بواسطة وحداتنا في الخليج.

لم أتخيل مثل هذه الأعمدة من الماء أثناء الانفجار!

لقد فهمت بشكل أفضل عندما رأيت ذلك في حوض البحرين كيف تضررت السفينة الهجومية الحاملة للمروحيات ( USS Tripoli) بعد اصطدامها بلغم عائم في 18 فبراير 1991.

• هل دخلت الكويت؟ هل هناك شيء لفت انتباهك؟

- توقفت سفينتنا في مدينة الكويت في 24 فبراير 1991 وكانت ترافقها سفينة الغواصين الكاسحة للألغام «بلوتون»، وأتيحت لنا الفرصة للقاء خبراء إزالة الألغام من الجيش الفرنسي العاملين في الكويت، وقمنا معهم بجولات في المدينة ورأينا آبار النفط المشتعلة التي أحرقها العراقيون قبل الانسحاب، وحتى مع وصول الشمس إلى الظهيرة كان هناك ظلام!!!

لقد تضررت جميع المباني وتناثرت المركبات المتفحمة والحطام بجميع أنواعه في الشوارع، ترك العراقيون وراءهم العديد من العبوات الناسفة المحلية الصنع.

كانت بعض المواقع مغلقة من قِبل القوات الأميركية، كما فتح العراقيون صمامات الوقود الثقيل، وكانت المداخل المؤدية إلى الميناء مغطاة بالنفط المسكوب.

بيير بايلي: كمراسل حرب... لم أرَ هذا من قبل!

• عرّفنا عن نفسك، بيير بايلي؟

- أنا الآن متقاعد، بعد أن عشت حياة مهنية طويلة في الصحافة.

عملت مع وكالة الأنباء الفرنسية ومع وزارة الدفاع وغيرهما، وبعد أن حالفني الحظ بما يكفي لوجودي في الشرق الأوسط مرات عدة، تمكنت من ممارسة اللغة العربية، التي تعلمتها عندما كنت طالباً في معهد اللغات الشرقية.

• ماذا فعلتم أثناء عملية «داجيت»؟

- كنت مراسلاً خاصاً لوكالة الأنباء الفرنسية لتغطية حرب الخليج، وعملية «داجيت» الفرنسية، وصلت إلى المملكة العربية السعودية في يناير 1991، كنا مئات من الصحافيين من جميع أنحاء العالم.

خلال المرحلة الجوية من الحملة، بقيت في السعودية خصوصاً الرياض.

كان بإمكاننا الوصول إلى مراكز القيادة والقواعد الجوية (الظهران والأحساء)، حيث تنطلق طائرات التحالف.

غامرنا بالسير في طرق بالقرب من الكويت، لمحاولة مراقبة الضربات الجوية، ولكن الطرق كانت مليئة بالسيارات والدبابات وشاحنات التحالف التي لا تعد ولا تحصى.

في 24 فبراير، انضممت إلى لواء مدرع فرنسي.

مع لواء «سباهيس».

غادرت معسكر حفر الباطن (السعودية) إلى قاعدة السلمان العسكرية، وهي موقع استراتيجي في جنوب العراق.

وبعد ثلاثة أيام من القتال سيطرت وحداتنا على قاعدة السلمان ودحر القوات العراقية الموجودة.

• هل يمكن أن تصف لنا لحظة مؤثرة في هذه التجربة؟

- هي كثيرة ! طبعاً أتذكر التوتر عندما دخل اللواء الذي كنت فيه الأراضي العراقية، وعندما دخلنا في الاتصال مع خطوط العدو الأولى.

بعد فترة وجيزة، تأثرت بإنسانية جنودنا عندما أسروا خصومهم المستسلمين.

كان الجنود العراقيون يتلقون الطعام والعلاج الطبي.

نقطة أخرى أدهشتني: حرب المعلومات! القنوات التلفزيونية الفضائية الكبرى كانت تغطي الحرب في الوقت الحقيقي! وأنا كمراسل حرب لم أرَ هذا من قبل.

• هل دخلتم الكويت؟ هل هناك شيء أثر فيكم؟

- رافقت وزير الدفاع الفرنسي بيير جوكس عندما زار الكويت.

هناك ذهبنا للقاء الوحدات الفرنسية المكلفة بإزالة الألغام.

كان هناك الملايين من الألغام تحت الرمال !

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي