No Script

رأي قلمي

تحنيط الفكرة..!

تصغير
تكبير

يقول الله سبحانه وتعالى: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ»، أي لا يحملنكم بغضكم لقوم على عدم العدل معهم، وذلك يكون بإصدار الأحكام الجائرة ضدهم وبخسِهم أفكارهم وأشيائهم. هنا القرآن الكريم يؤسّس للفصل بين العواطف والأحكام المتعلقة بالأشخاص، وبين الآراء والأفكار على ما وجدناه في الآية الكريمة السابقة.

من المهم أن تظلّ الأفكار والآراء متمتعة بقدر جيّد من الاستقلال عن أصحابها، فقد يُنتج الشخص الممتاز فكرة سيئة أو تلحق الضرر به وبمن حوله، وقد يصدر عن شخص سيّئ رأي حكيم ومفيد.

لا بد من إبقاء الأفكار معزولة عن أصحابها لينزع عنها الهالة غير الموضوعية، ويسهّل نقاشها ونقدها وتطويرها والخلاص منها والتوافق عليها، كما يجعل الاستفادة منها متاحة، لكن حين نمنح الفكرة القداسة بسبب تقوى أصحابها أو بسبب دفاعهم عنها حتى الاستشهاد في سبيلها، أو بسبب إنجازاتهم العظيمة في أي مجال من المجالات، وحين يحدث هذا فإن ذلك سيعني تحنيط الفكرة والتمسك بها من غير سبب موضوعي، وهذا يوسّع هوّة الخلاف بين المُتحرّرين فكرياً وبين من يعظّم الفكرة بسبب ما يراه من عظمة صاحبها، وكثيراً ما نستبعد الأفكار بسبب آرائنا السلبية في أصحابها. فغالباً الإنسان الذي يشخصن الأفكار يكون تعامله مع الآخرين على أساس صورة ذهنية سيئة وضعها في ذهنه، ومعظم تعامله مع الناس ينطلق من هذه الصورة الوهمية التي وضعها في مخيلته عن الطرف الآخر.

إن شخصنة الأفكار تخرجها عن سياقها الصحيح، وتجعل التوافق عليها غير ممكن، كما نقاشها خارجاً عن السياق المنطقي وقواعد الحوار الصحيح.

M.alwohaib@gmail.com

‏@mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي