رواق

«رقّمونا»...

تصغير
تكبير

قبل سنوات أردت فتح حساب في أحد بنوك نيويورك، أرسلت لهم عنواني، فطلبوا مني إرسال كتاب تفويض من الشيخ مبارك عبدالله الجابر لفتح هذا الحساب، لم أفهم المقصود، ذهبت إلى البنك الذي لديه حسابي في الكويت، طلبت التفويض ولكن ليس من فرعي الأصلي، بل من فرع المنطقة التي ليس لي حساب فيها، استغربوا هم وأنا لكننا تصرّفنا، لم يُرض تصرّفنا الإدارة الأميركية، طلبت تفويضاً شخصياً موقّعاً من المرحوم الشيخ مبارك عبدالله الجابر لا إدارة البنك!

بعد شهور ذهبت إلى مقر البنك النيويوركي، شرحت لهم أن طلب تفويض شخصي من المرحوم مبارك العبدالله، يشبه تماماً طلب تفويض شخصي من جون كيندي، ولولا «غوغل ماب» ما استوعبوا أننا نسمي شوارعنا ومناطقنا بأسماء الراحلين ولمّا فتحوا لي الحساب، تذكّرت هذا الموقف وأنا أسمع امتعاض أحد الزملاء من سكنه في منطقة اليرموك بين شارعي: جميل بن معمر وعبدالعزيز بن باز متسائلاً: أصلاً منو جميل بن معمر؟ ولما بحث وعرف حكاية الشاعر الأموي جميل بثينة صرخ: وكيف يقبل العالم الجليل وسماحة الشيخ بن باز أن يوضع اسمه إلى جانب شاعر غزل «مغازلجي»؟ لو توقّف الأمر على مبارك العبدالله وجميل بن معمر وعبدالعزيز بن باز، لهان الأمر، ولكن الجولة في شوارع الكويت تشبه جولة في المقابر بين القبور من كثرة أسماء الموتى، ثلاثة أرباع الذين تطلق أسماؤهم على الطرق، لا إنجاز لهم سوى أنهم ماتوا على رأي المرحوم محمد مساعد الصالح، أما الذين خلّدهم التاريخ فلا ينتظرون شارعاً ليخلدهم إن خلدهم، ولا حتى يعرفّهم أو يذكّر بهم، تذكّروا رغم إطلاق اسم جميل بن معمر على أحد الشوارع لسنوات لا أحد يعرف من هو جميل بن معمر، حتى سكان الشارع نفسه وحده غوغل يعرف والمعروف لا يعرف !

شوارعنا تكرّس عنصرية بغيضة، بين من احتل مناطق على طريقة المضارب، ورفع أسماء أبناء القبيلة في شوارع منطقتها، ولست أنزّه أهلي من ذلك، حتى حول تسمية شوارع المناطق بأسماء الشهداء، وشهدنا معركة شهيرة حول ذلك، وبعد... شوارعنا مصدر تفاخر لشعب اعتاد التفاخر بالألقاب والأسماء والممتلكات والشوارع.

وقد وصلنا إلى سنة 2021 وصرنا نبعث لوكيشن منازلنا، والبعض يقترح إطلاق اسم شارع على قريبه أو نسيبه، وفي وسط العشيرة كلها... من سمح لأصحاب الأسماء احتلال شوارعنا؟ ولماذا نضطّر أن نسجّل اسم غيرنا في هويتنا وعناوين بيوتنا؟ ولماذا افتقدنا أبسط علامات التسلسل المنطقي والحضاري في أرقام الشوارع؟ وكرّسنا الطائفية والقبلية والعنصرية المكرسة أصلاً بلا حلّ سوى المساواة وأولى خطوات المساواة ترقيم الشوارع... رقّمونا وخلصونا !

@ReemAlmee

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي