No Script

خواطر صعلوك

شنو راح ناكل؟

تصغير
تكبير

كان الإنسان يأكل ما يلتقط من ثمار، ثم أصبح بجانب ذلك يأكل ما يصطاد من حيوانات، ثم اكتشف النار وأصبح يطبخ طعامه ويفكّر في ما يمكن أن يُضاف، واكتشف الزراعة وأصبح يأكل ما يزرع... تاريخ طويل لما يسقط في معدة الإنسان لا يسع المقال لذكره... ولكن في عصرنا الحالي أخذ موضوع «شنو راح ناكل؟» منحنى آخر تماماً.

لقد أصبح الأمر «منلوج» فردياً مستمراً، و«ديالوك» اجتماعياً لا نعرف إلى أين يأخذنا. هل اشترك في الوجبات الصحية... أي حمية غذائية اتبع؟ تصفّح مواقع المطاعم لمدة نصف ساعة أو ساعة من أجل التهام وجبة في عشر دقائق، وسيارات ودراجات نارية تجوب المدينة ذهاباً وإياباً من أجل التوصيل، وشركات متخصصة في ذلك، وأصبحت البصمة الكربونية للوجبة الواحدة أثناء التوصيل تعادل كمية التلوث لعشرين طبخة في العصر الفكتوري، أو وقت الخلافة العباسية. ودبّت الخلافات بين أفراد الأسرة في اختيار نوع المطعم في «الطلعة الأسبوعية»، وتمت محاصرتنا باختيارات متعددة... هل نأكل طعاماً صحياً؟ هل «نخربها» اليوم ونبدأ الرجيم من الغد؟ وأصبحنا محاصرين بالأسئلة... ماذا نأكل... وكم عدد السعرات الحرارية هنا؟ وما الموعد المناسب للأكل؟ وأصبحت الأسرة وشلة الأصدقاء في «حيص بيص»، فتلك فتاة لديها مشكلة في تناول اللحوم والدجاج، وذاك شاب يريد مطعماً قليل الدهون لكي لا يضيع مجهود الأسبوع في النادي... وهذا يشتهي «إيطالي» اليوم، وتلك تريد «مجابيس»، فإذا كانوا في المنزل... مَنْ سيطلب الطعام؟ ومَنْ سيتسلم الطلب؟ وهل نأكل فُرادى أم مجتمعين؟

هل هذه البقرة تمت معاملتها بمعايير أخلاقية قبل ذبحها؟ وهل تلك الدجاجة كان لديها متسع من الحرية لكي تطلق جناحيها في القفص؟

ما رحلة هذه البيضة؟

ورحلة البيضة تقول إننا الأعلى في السمنة، والأعلى في عمليات التكميم، ورغم ذلك فنسبة السمنة ثابتة!

مع كثرة الخيارات وتنوّعها واختلاف المطابخ والمدارس والثقافات، التي أصبحت تحدّد أسلوب حياة الفرد في أكله ونوعه... اختلف المعنى... وتنكّرنا لمدرسة «القذافي» رحمه الله، وهي مدرسة البديهيات... فنسينا بأننا نأكل عند الجوع ونشرب عند العطش، وبأن الذكر ذكر والأنثى أنثى... وأن جسمنا يحتاج لمجموعة مختلفة من الفيتامينات والمعادن، التي توجد في الطعام... نسينا أننا نأكل لنعيش لا نعيش لنأكل... من شدة الترف أصبحنا نحتفل ونجتمع حول موائد مليئة بالطعام الفائض عن حاجتنا وننسى المعنى... فأصبح الأكل «ستايل»... نصوّره ونتفاخر به غير واعين بوجود الكثير غيرنا لا يجد ما يأكل ولا يستطيع إطعام أبنائه... ونحن نحتار ونختلف في ما بيننا في اختيار «شنو راح ناكل»... عادي... فكله من مرزوق... وكله من الوافدين!

حديث شريف:

مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي