No Script

خواطر صعلوك

نداء إلى «راعي السالفة»

تصغير
تكبير

في كتاب الكويت القديمة للدكتور يعقوب يوسف الحجي - الصادر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية - يذكر أن أهل الكويت قديماً اختاروا رجالاً من خيارهم، لكي يبتّوا في جميع القضايا التي تتعلق بأمور البحر وعُرف الواحد منهم بــ «راعي السالفة»، فكان هناك متطوّع يبتّ في قضايا السفر الشراعي، وآخر يبتّ في قضايا الغوص على اللؤلؤ، وكانت تتوافر فيهم شروط النزاهة والدراية وحب العدل والإنصاف.

ثم تطوّرت المدينة وتوسعت، وظهرت بوادر النهضة العمرانية، ونمت المعرفة وتوزّعت الثروة وانتشرت - الأمر الذي صلّى لأجل حدوثه الكثير من الرجال والنساء - وقد أدّى بشكل أو بآخر إلى تطور مفهوم «راعي السالفة»، حتى أصبح اليوم هو ذلك الرجل «اللي ما عنده سالفة!»

رجل بضاعته الكلام، فاقد للمبادرات وحب العدل والإنصاف، غير دقيق في كلامه، يجلس في الديوانية ويريد أن يكون «راعي السالفة»، من دون أن يكون له أي سوالف في البحث والدّراية والنزاهة.

وأصبح من تقاليد الدولة أن من يعلو صوته على سائر الأصوات، يتّسع صيته بين سائر الشخصيات، فتحلّلت الديموقراطية إلى فساد خُلقي، أما مفاهيم الحلال والحرام والعيب المجتمعي، فأصبحت خاضعة للنقاش والمناظرات، فأصبح عندنا تفريخ متناوب لراعي سالفة... ما عنده سالفة!

ثم أصبح لدينا مساران مختلفان، مسار إستراتيجي يخبرنا بأننا سنتحول إلى مركز مالي يقود فيه القطاع الخاص خطة التنمية، ومسار واقعي يخبرنا بأن الـ c.v الحقيقي هو قائمة الواتس آب لديك وليست كفاءاتك وقدراتك، أما في عالم السياسة فأصبح هناك نوعان من الناس، نوع يعيش الحياة ويمارسها ويعاني من الدورة المستندية والقضية الإسكانية والتعليم وجودة الحياة وهؤلاء مكانهم في شقق الإيجار، ونوع آخر من الناس يفكّر في الحياة ويُشرع لها، تجده خلف المنصات يتحدّث عن كل شيء عدا الواقع المعاش.

هذا هو المسار العام الذي اوصلنا له وجود «راعي سالفة»، يتحلطم ليل نهار، غير مشهود له بالدراية وحب الإنصاف والعمل.

كان فولتير يؤمن بالعلم والتقدم، وفي لحظة من لحظات النشوة الاستشرافية للمستقبل قال: «الشباب محظوظون لأنهم سيشهدون أشياء عظيمة»!

في عام 2013م أطلقت الكويت مؤتمر «الكويت تسمع»، ومنها خرجت رؤية جيل شبابي متمسك ومرتّقٍ بالقيم الوطنية، مبدع وشريك في التنمية المستدامة... وأي عابر سبيل أو نائم على السرير اليوم لا يحتاج إلى الكثير من التأمل والتفكير، لكي يكتشف أننا وصلنا إلى مرحلة جيل شبابي مُحبط متمسّك برأيه، يفكّر بالهجرة وزيادة الرواتب... ولا عزاء لفولتير!

إنني أطلق نداء إلى «راعي السالفة»: أما آن الأوان إلى أن يكون عندنا «سالفة» نجتمع حولها؟

@Moh1alatwan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي