No Script

«الراي» حاورت عدداً من أعضاء فرقة «داجيت» في شهادات للتاريخ [1 - 2]

في الذكرى الثلاثين لـ «عاصفة الصحراء»... جنود فرنسيون يستذكرون مشاركتهم في حرب تحرير الكويت

تصغير
تكبير

في مثل هذا اليوم قبل 30 عاماً، 17 يناير من عام 1991 بدأت حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم، حيث ساهمت فرنسا مع التحالف الدولي آنذاك في معركة التحرير التي أطلق عليها اسم «عاصفة الصحراء» تحت الاسم الرمزي لعملية «داجيت».

وقدم الفرنسيون مجموعة من قواتهم اسمها فرقة «داجيت»، كانت مهمتها حماية الجناح الأيسر لقوات التحالف، وقهر قاعدة سلمان الجوية «بقعة تكتيكية ساخنة في العراق»، حيث تكوّن الفريق الجوي من 40 طائرة مقاتلة من طراز «جاكوار» و30 مقاتلة من طراز «ميراج»، تمركزت في قاعدة الإحساء الجوية بالمملكة العربية السعودية، كما عمل الفريق البحري الفرنسي في أساطيل دولية في مياه الخليج.

سرب طائرات الجاكوار المشارك في عملية عاصفة الصحراء



«الراي» أجرت لقاءات منفصلة مع بعض أفراد فرقة «داجيت» من قدامى المحاربين الفرنسيين، الذين أرادوا الاحتفال بهذا اليوم العظيم بعد 30 عاماً، وحصلت منهم على شهادات للتاريخ عن مشاركتهم في «حربهم» لتحرير الكويت.

واستذكر الكابتن مهان، وهو أحد طياري الجاكوار، عندما قام بغارة جوية على الكويت في 17 يناير 1991، مبيّناً أنه قام بمهمته رغم إصابته بنيران الدفاع الجوي العراقي، كما تحدث المحاربون القدامى الآخرون عن تجاربهم كمهندسين مقاتلين وفي عمليات الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، وأرسلوا إلينا صوراً أصلية تاريخية رغبوا بمشاركتها مع الشعب الكويتي وجميع الدول الصديقة التي شاركت في هذه الحملة التاريخية.

«كان هدفنا قاعدة أحمد الجابر الجوية المخصصة لصواريخ سكود»

العقيد ألين مهان: كُسرت جمجمتي وأنا أول جندي فرنسي أُصيب


ألين مهان مع خوذته



العقيد ألين مهان، أحد طياري وحدة المقاتلات الحادية عشرة في فرقة «داجيت»، وتحديداً سرب «فوج» 2/11 المتمركز في مدينة «تول روزيير» حيث تم تجهيز السرب بطائرات جاكوار ذات المقعد الواحد.

يستذكر مهمة فرقته في «عاصفة الصحراء» فيقول «بدأت المهمة في أكتوبر 1990 واستمرت شهرين، وتخللها الوصول المتتابع للطائرات (جاكوار وميراج 2000RDI وميراج F1 CR) والموظفين إلى قاعدة الأحساء الجوية. وأنا وصلت في أول يناير 1991 وعند انطلاق العمليات كانت هناك 24 طائرة جاكوار، حيث كنا نحو 600 شخص في قاعدة الأحساء، وكانت التغييرات متباعدة بشهرين بالنسبة للطيارين».

الرصاصة مستقرة في الخوذة



ويتحدث عن أقوى اللحظات في الحملة، فيقول «أقوى اللحظات ستبقى في ذهني، كونها المهمة الأولى التي يقوم بها طيارون فرنسيون على الأراضي الكويتية، حدث ذلك في 17 يناير 1991، وكنت رقم 11 من الدورية المؤلفة من 12 طائرة جاكوار، وكان الهدف المنوط بنا هو الهجوم على قاعدة أحمد الجابر الجوية التي خصصها صدام حسين لتخزين بطاريات صواريخ سكود، ونشر الطائرات المقاتلات وتخزين أسلحة كيماوية. وتم تقسيمنا إلى مجموعتين من 6، وانضممنا أولاً إلى 3 طائرات إمداد في موقع بالقرب من الحدود الكويتية. بعد التزود بالوقود توجهنا إلى هدفنا وسرعان ما تعرّضنا لإطلاق النار. وعلى أطراف قاعدة أحمد الجابر الجوية نزل طوفان حقيقي من الحديد والنار، وفي الظروف القاسية تمكنتُ من إلقاء قنابلي الأربع على دبابات عراقية نصف مدفونة في الرمال، ولكن بعد ذلك مباشرة أُصبت برصاصة اخترقت مظلة قمرة القيادة. وشعرت بضربة رهيبة في الرأس مما ألقى بي إلى الخلف وفقدت بصري قبل أن أتعافى وأسترد إحساسي تدريجياً».

أثر الطلقة التي عبرت قمرة القيادة



ويضيف: «بينما كانت طائرات الجاكوار تبتعد عن هدفها والخطر الوشيك شعرت بسائل حار ولزج يسيل على رقبتي، لقد أصبت بمفردي ومتأثراً أكثر فأكثر من إصابتي، وواجهت عطلاً في نظام ملاحة جاكوار الخاص بي، وانضم إليّ قائدي وقادني إلى قاعدة الأحساء الجوية. وعلى الرغم من الصداع الشديد، تمكنت من الهبوط بطائرتي وأغلقت المحركات ثم فقدت الوعي. كانت جمجمتي مكسورة ووضعت لي عشر غرز، وكنت أول جندي فرنسي يُصاب خلال الحرب».

مهان بعد هبوطه في 17 يناير 1991



ويؤكد مهان أنه استفاد من دروس هذه الحملة في حياته، ويقول «واصلت كل مسيرتي المهنية في مجال التسليح والتدريب على الرماية الجوية، وكان ذلك مفيداً للغاية... إن تبادل الخبرات ونشر المعرفة وتطوير وإتقان الأسلحة الجديدة ملأني بالبهجة حتى غادرت المؤسسة».

الطيار الفرنسي بعد تلقيه العلاج في المستشفى



ويفيد بأنه الآن «متقاعد وأشارك في جمعيات وبطبيعة الحال أقضي الكثير من الوقت في لعب الصولجان».

ألين ميهان مع رفاقه



«قضيتُ فيها 5 أشهر وقمنا بتنفيذ تقنيات ملاحية مماثلة لما يستخدمه البحارة»

الجنرال فرانسوا: صحراؤكم قاسية... لكنها رائعة


الجنرال فرانسوا مع عدد من الشباب في الصحراء السعودية



يستذكر الجنرال فرانسوا مشاركته في فرقة «داجيت» ويقول «كنت آنذاك ملازماً شاباً، قائد فريق استطلاع في لواء المدفعية البحرية الحادية عشرة. وفي عام 1990، كانت أوروبا في حالة معنوية عالية بسبب سقوط جدار برلين، كان الحديث عن مكاسب السلام، وكان يُعتقد بأنه لن تكون هناك حرب كبرى بعد الآن. لقد أذهلني غزو العراق للكويت، كما كان الحال لدى العديد من الفرنسيين. وبدأنا مع رفاقي في اللواء، نستعد للتدخل في هذه الصحراء البعيدة التي كانت تحفز خيالنا. ومع اقتراب أعياد نهاية السنة، صدرت الأوامر مساء يوم الإثنين، وبعد بضعة أيام غادر اللواء بأكمله مدينة تولون. وفور الوصول إلى ينبع، انضممت إلى القوات الفرنسية الموجودة بالفعل في المملكة العربية السعودية من أجل الاستعداد لنشر لواء البحرية الحادية عشرة في أفضل الظروف».

ويضيف فرانسوا «أن أبرز التحديات الرئيسية التي واجهتنا كانت الطبوغرافيا، فللمرة الأولى تم تجهيزنا بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، فيما تتطلب المدفعية دقة طبوغرافية كبيرة، وفي ظل الظروف التي واجهناها كان التحدي الذي يتعيّن مواجهته كبيراً ومحفزاً فكرياً. ولم يكن نظام GPS المذكور أعلاه موثوقاً به دائماً، فكان ينبغي الاستغناء عنه إذا لزم الأمر. لذلك قمنا بتنفيذ تقنيات ملاحية مماثلة لتلك التي يستخدمها البحارة. وقد تدربنا خلال أوقات الفراغ النادرة، ولحُسن الحظ كل شيء سار بشكل جيد، أنجز فريقي مهمته على أكمل وجه».

ويتابع «كانت مرحلة القتال البري قصيرة ومكثفة، وكان جنودنا لا تشوبهم شائبة، لديهم الدافع والمهنية ومتحدين في الأوقات الصعبة، وقد أعطى التدريب الذي تلقيناه ثماره. ولكن الشيء الأكثر إثارةً بالنسبة لي هو التواطؤ الذي كان قائماً بين أعضاء فريق الاستطلاع الخاص بي، فالبريد كان عشوائياً ولم يكن الإنترنت موجوداً ولحُسن الحظ كانت الروابط بين الجنود قوية».

واستدرك «لم يحالفني الحظ للذهاب إلى الكويت، فقد قمت فقط بزيارات قصيرة إلى المدن السعودية القريبة لمناطق تمركزنا. وخلال عملية (داجيت) قضيت 5 أشهر في الصحراء، صحراء من الرمال والصخور والحصى، بارد في البداية، حار مع اقتراب الصيف. الصحراء بيئة رائعة بالنسبة لشخص أوروبي، كتب عنها شعراء ومراسلون كثيرون (عرب وأوروبيون) قبلي. أرسلت إليّ والدتي عبر البريد كتاباً بعنوان (صحراء الصحراء) للمؤلف ثيسيجر، ثم قرأت بعد ذلك كتاب (أعمدة الحكمة السبعة) للمؤلف تي إي لاورانس عند عودتي. نعم، الصحراء مكان رائع، بالتأكيد قاسية لمَنْ يعيشون هناك، لكنها رائعة».

«ساعَدْنا طياري القوة الجوية في إطار الحرب الإلكترونية»

فابيين ريشارد: مع المعارك... أصبحتُ كأنني كويتي


فابيين ريشارد



فابيين ريشارد، المسؤول عن برمجة مهام الحرب الإلكترونية في القوة الجوية الفرنسية، يستذكر كيف كان يساعد طياري القوة الجوية الكويتية على إعداد مهامهم في إطار الحرب الإلكترونية، وكان يعمل آنذاك على طائرات «ميراج إف1 سي كي» المجهزة بأنظمة الحرب الإلكترونية.

ويصف ريتشارد لـ«الراي» لحظة مثيرة في تلك الحملة، فيقول «هناك العديد من اللحظات التي لا تُنسى خلال أسبوعين من القتال، شعرت وكأنني أطير مع الطيار الكويتي عندما ينطلق لمهمة قتالية، وكان أكبر ما يسرني عودة هذا الطيار المقاتل إلى قاعدته سالماً عقب الانتهاء من مهمته بفضل الحماية التي يوفرها له نظام الحرب الإلكترونية». ويضيف «قد تكون لديّ ذكريات أقوى من الآخرين، في مساء يوم 25 فبراير، انفجر صاروخ عراقي من نوع (سكود) على بُعد أقل من كيلومتر واحد من المكان الذي كنتُ فيه في الظهران، لقد أذهلني أنا ورفاقي من شدة الضوضاء وعنف الانفجار. لقد تأثرت بهذه الضربة ولكنني كنت محظوظاً أكثر من غيري، فقد قُتل 28 جندياً، وأصيب أكثر من 150».

الجنود الفرنسيون واكبوا أفراح أهل الكويت عند التحرير



وعن الدخول للكويت، يقول «وصلت إلى الكويت بعد أسبوع من التحرير، لقد كانت تجربة مذهلة، لم تَعد هناك حدود بين السعودية والكويت، كل ما يمكن أن تراه في السماء هو دخان أسود من حرائق آبار النفط، كانت الشواطئ ملغمة والمباني منهوبة والمتاجر مخربة والشوارع ممتلئة بحطام المركبات وحتى من القوارب المفككة، والأمر الأكثر إثارة للرعب هو وجود جثث لجنود عراقيين على الأرض في مكان يسمى بطريق الموت السريع».

وعن الدروس المستخلصة من مشاركته في الحرب، وما إذا كانت قد أفادته في حياته المهنية المستقبلية، يجيب «نعم، لقد أثرت فيّ هذه الحملة إلى الأبد، أدركت بعد ذلك بأن هذه الأسابيع القليلة قد غيرت الرابط الذي كان يربطني بالكويت وأصبح لا يتزعزع، أشعر وكأنني شاركت بشكل مباشر في تحرير هذا البلد الذي لم أكن أعرف عنه سوى القليل جداً في ذلك الوقت، ولكن مع هذه المعارك أصبحت وكأنني كويتي... منذ العام 1990 لم أتوقف عن العمل في الكويت ولديّ أصدقاء كويتيون، واليوم أحيي ذكرى 30 عاماً من التعاون مع القوات المسلحة الكويتية... لم يكن الأمر ممكناً لو لم أشارك في هذه الحرب». ويقول إنه يعمل حالياً مستشاراً في شركة استشارات دفاعية، ويعمل مع العديد من الشركات العالمية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي