إن الاعتراف بالفروق والتمايزات والتعامل معها على أنها شيء واقع وملموس، يشكّل خطوة على الطريق إلى الإجماع الوطني والسياسي.
إلا أن حلّ المشكلات الاجتماعية والسياسية في أي مجتمع، يحتاج إلى شيئين: الصدق والصراحة، وذلك لأن لدى معظم الناس ميولاً غريزية إلى ستر ما بينهم من اختلافات وتمايزات، من باب إغلاق أبواب الجدال والنزاع حول ما يمكن أن يثير أسباب الانقسام والشقاق، ومن باب المجاملة والكياسة.
وهذا في رأينا غير حصيف، حيث يدلنا الكثير من الشواهد على أن إنكار التمايزات لا يلغيها، ولا يخفف من إزعاجاتها بل إنه - وعلى العكس من ذلك - يزيد في صعوبة التعايش معها، كثيراً ما رأينا كيف أن ما يجري بين فخذين من قبيلة واحدة وبين مذهبين من دين واحد، وبين فرعين من عرق واحد... من خصام وعداوة، هو أشد بكثير مما يجري بين المتباعدين، وهذا بسبب تداخل جماهير ومصالح المتقاربين، ما يجعل التنافس بينهم شديداً، بالإضافة إلى الاعتقاد الراسخ بضرورة التطابق والتوحد، ما يجعل كل فريق يحمّل جريرة وذنب التمايز والاختلاف للفريق الآخر.
نضيف إلى هذا أن المكوّن الأكبر في كل مجتمع يميل في العادة إلى الاعتقاد بأنه الأصل، وأن المكونات الصغيرة المنافسة هي التي تعكّر صفو الإجماع الوطني، ولهذا فإن عليها التخلّي عن خصوصياتها وهوياتها الفرعية، والالتحاق به والتماهي معه، وهذا ليس بصحيح، ففقد الإجماع السياسي لا ينتج عن فقد التطابق العرقي أو الديني أو القبلي، وإنما ينتج عن العجز عن توفير الشروط التي تولّد الانتماء للوطن، وتشعر المواطنين بالعدل والمساواة أمام القوانين، ما يجعلهم غير محتاجين لاستحضار خصوصياتهم على أنها ملاذات لانتزاع حقوقهم.