زاويتا الهجمة الإيرانية وعدم كفاءة «الشرعية» اليمنية

تصغير
تكبير

يمكن النظر إلى الهجوم الحوثي الذي تعرّض له مطار عدن مع وصول أعضاء الحكومة اليمنية الجديدة إليه من زاويتين، الأولى الهجمة الإيرانية المستمرّة على غير جبهة في المنطقة قبيل دخول جو بايدن البيت الأبيض، والأخرى غياب أي كفاءة من ايّ نوع لدى «الشرعية» اليمنية.

لا يمكن عزل الهجوم على مطار عاصمة الجنوب اليمني في هذا التوقيت بالذات عن سعي ايران الى التأكيد للإدارة الأميركية الجديدة انّها موجودة في المنطقة وان وجودها قويّ جداً.

اكثر من ذلك، تريد ايران اثبات انّ العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة دونالد ترامب لم تؤثر في وضعها الإقليمي وسلوكها خارج حدودها.

على العكس من ذلك، تقول ايران إنّها لا تزال موجودة في اليمن والعراق وسورية ولبنان وأنّ وجودها في هذه البلدان الأربعة هجومي ومتجذّر في الوقت ذاته وأن كلامها عن السيطرة على اربع عواصم عربيّة يستند الى الواقع والى معطيات حقيقية.

الاهمّ من ذلك كلّه، انّه وجود غير قابل للتفاوض ولان يكون جزءاً من صفقة جديدة تقبل بموجبها إدارة بايدن إعادة الحياة الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني الموقّع صيف العام 2015 مع مجموعة الخمسة زائداً واحداً.

فحوى الرسالة أنّ ايران لن تدخل أي مفاوضات مع الإدارة الجديدة في شأن ملفّها النووي من موقع ضعيف وفي ظلّ شروط جديدة من بينها أيضاً التخلّص من صواريخها الباليستية.

تبدو هذه وجهة نظر ايران التي كشفت إدارة ترامب انّها ليست سوى نمر من ورق وانّها عاجزة عن الرد المباشر على تصفية الاميركيين لقاسم سليماني.

تسعى «الجمهورية الإسلامية» الى القول انّ الذكرى الأولى لاغتيال قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني لن تمرّ من دون ردّ. صحيح انّ الردّ لن يأخذ شكل صدام مباشر مع الولايات المتحدة، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ هناك أدوات إيرانية قادرة على تولّي هذه المهمّة بأفضل وجه بدليل الهجوم الحوثي بالصواريخ على مطار عدن ثم قصف منطقة المعاشيق التي انتقل إليها اعضاء الحكومة الجديدة.

لافت أنّ ايران في وضع هجومي في العراق أيضا. نراها تمارس كلّ أنواع الضغوط على حكومة مصطفى الكاظمي متظاهرة في الوقت ذاته بانّها حريصة على عدم التعرّض للبعثات الديبلوماسية في بغداد، بما في ذلك السفارة الأميركية.

لا تشمل هذه الضغوط الإيرانية على العراق التحركات التي بقوم بها «الحشد الشعبي» من أجل اثبات انّ الجهة الأقوى في البلد فحسب، بل هناك أيضاً تهديدات بوقف مدّ العراق بالغاز أيضاً في حال لم يدفع مبالغ مترتبة عليه بالعملة الصعبة التي حرمت ايران منها.

لا حاجة إلى التطرّق الى موضوع لبنان، البلد الذي صار رهينة إيرانية، ولا إلى الانتشار الإيراني في سورية عن طريق ميليشيات مذهبية من مشارب عدة من بينها «حزب الله».

بالنسبة الى الزاوية الثانية التي يمكن النظر من خلالها الى ما تعرّض له مطار عدن، يمكن القول ان كلّ ما اتى ذكره عن ايران ودورها في اليمن لا يعفي «الشرعية» اليمنية من المسؤولية عمّا حدث.

أظهرت هذه «الشرعية»، التي على رأسها الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي، غيابا للقدرة على التعاطي مع تعقيدات الوضع اليمني من جهة وفهم الظاهرة الحوثية ببعدها الإيراني من جهة أخرى.

ليس معروفا بعد كيف يمكن ان تنتقل الحكومة اليمنية الجديدة الى عدن من الرياض من دون الاحتياطات المناسبة، بما في ذلك المحافظة على سرّية موعد الرحلة.

ما أقدمت عليه هذه الحكومة يكشف انّها تضمّ هواة في السياسة والامن وهي نسخة كاريكاتورية عن شخصية عبدربّه منصور هادي الذي كان مفترضاً ان يجعل من عدن مقرّاً لاقامته منذ فترة طويلة.

لكنّ السؤال كيف يمكن للرئيس الانتقالي الإقامة في عدن وإدارة المواجهة مع الحوثيين منها، فيما لا يستطيع الذهاب الى مسقط رأسه في محافظة ابين القريبة منها؟ يتمثّل أخطر ما كشفه الهجوم على مطار عدن في العجز عن فهم ما هي الظاهرة الحوثية وغياب ايّ معلومات عن حقيقة ما يعدّ له «انصار الله» الذين لم يتوقفوا عن اطلاق الصواريخ في اتجاه المملكة العربية السعودية.

وجدت المملكة نفسها في حال دفاع عن النفس منذ سقوط صنعاء في يد ايران في 21 سبتمبر.

كان من بين أسباب ذلك السقوط شخص الرئيس الانتقالي الذي اعتقد في مرحلة معيّنة ان في استطاعته استخدام الحوثيين في لعبة تستهدف تصفية حساباته مع علي عبدالله صالح من جهة وتثبيت قدرته على المناورة مع الاخوان المسلمين، بمن في ذلك نائبه علي محسن صالح الأحمر، من جهة أخرى.

تبيّن في نهاية المطاف انّ الحوثيين اخترقوا «الشرعيّة» فيما لا وجود لاي اختراق من «الشرعية» لمن يسمّون نفسهم «انصار الله».

الأكيد انّه لن يكون ممكناً تحقيق أي انتصارات سياسية او عسكرية على الحوثيين بوجود مثل هذه «الشرعية» التي تحتاج اوّل ما تحتاج الى إعادة تشكيل لها.

أظهر الهجوم على مطار عدن واقعاً لم يعد هناك مجال لتجاهله.

لا يمكن الدخول في مواجهة مع الحوثيين، الذين ليسوا سوى أداة إيرانية، بـ«شرعية» من نوع تلك الموجودة حالياً.

ثمّة حاجة إلى مقاربة مختلفة للموضوع اليمني، مقاربة تأخذ في الاعتبار انّ ثمّة حاجة الى تغيير كبير في موازين القوى في حال كان مطلوباً التفاوض مع الحوثيين في يوم من الايّام واجبارهم على التخلي عن الدولة التي أقاموها والتي تحوّلت الى قاعدة إيرانية ولا شيء آخر غير ذلك.

أكّدت الأحداث المتتالية أنّ «الشرعية» القائمة لم تستطع في ايّ يوم الانتصار في ايّ معركة مع «انصار الله».

معروف من أخرجهم من عدن ومن ميناء المخا، ذي الاهمّية الاستراتيجية.

ما ليس معروفاً كيف ملء الفراغ الذي ظهر بوضوح ليس بعده وضوح بعد الذي حصل في عدن!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي