No Script

قيم ومبادئ

عند اللزوم !

تصغير
تكبير

استقر فقه القضاء الدستوري الشرعي على قاعدة (تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور)، ومعنى ذلك أن الناس في الزمن الأول في الإسلام كانوا على دين وخُلُق يردعهم عن المحرمات وعن الظلم والتعدي على أموال الناس، ولهذا توجهت إليهم بعض الأحكام لصحة الأمانة والديانة لديهم، وغلبة الفضائل وحب الآخرة على الدنيا في مجتمعهم الأزهر، ولكن تبدّلت حالنا اليوم إلى الضد، فظهر الفجور واستُعلن الظلم وتساهل الناس في المحرّمات فغلبت الأهواء وكثرت الآراء، فلما انقلبت أحوالنا إلى الضد اختلفت مناط الأحكام، فوجب اختلاف الحكم! وأعني به الحكم الرادع لأهل الباطل لصدهم عن باطلهم، وإرجاعهم إلى جادة الصواب.

ولعل أوضح مثال على ذلك الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد فإنّه يقع واحداً، قال ابن عباس رضي الله عنهما (كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتَين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر رضي الله عنه إنّ الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم).

ومعنى هذا أنّ عمر رضي الله عنه أعلن في الناس أنّ مَن يطلق زوجته ثلاثاً في مجلس واحد، فإنّها تبيّن منه ولا ترجع له أبداً حتى تنكح زوجاً غيره زواجاً شرعياً صحيحاً ويدخل بها، ثمّ إن بدى له أن يطلقها طلقها وتعتدّ منه العدة الواجبة ثم إذا رغبت هي ورغب زوجها للرجوع فلهما الرجوع، ولكن ليس هذا نكاح التحليل الصوري فقد جاء الحديث (لعن الله المحلِّل والمحلَّل له) فهذا لا يجوز شرعاً.

الشاهد والمقصود أنّ عمر- رضي الله عنه- أمضى عليهم الثلاث كعقوبة لهم، لما رآه من المصلحة في زمانه ليكفوا عما تتابعوا فيه من التهاون في إطلاق لفظ الطلاق، وجمعه في مجلس واحد، ويرجعوا إلى ما جعل الله لهم من الفسحة والأناة ليراجع كل منهما نفسه.

والمثال الثاني على القاعدة، قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (لو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما مُنعت نساء بني إسرائيل).

وفي هذا الحديث تخبرنا أم المؤمنين رضي الله عنها لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصبح حال النساء عليه من التزيّن والتطيّب، إذا خرجوا إلى المسجد، مع قلة المبالاة بما يجب عليهن من الحياء من الرجال لمنعهن من الخروج من البيوت، دفعاً للفتنة كما مُنعت نساء بني إسرائيل من الخروج إلى الصلاة، والفائدة من هذا الحديث هي القاعدة في الأخذ بالمنع والاحتياط مما قد يُفضي إلى المحذور.

ولهذا قال أهل العلم بأنّ المستجدات والحوادث والنوازل مستمرة إلى قيام الساعة، والقرآن الكريم كامل وشامل وأحكام الله تعالى فيه قائمة إما بنَصٍّ أو بقياسٍ أو بإشارةٍ عَلِمَهُ مَن عَلِمَهُ وجَهِلَهُ مَن جَهِلَهُ، وهذا المعنى من الاستنباط يؤيده ما جاء في الأثر من أنّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- يجلد في الخمر أربعين، ولما كان عمر -رضي الله عنه- جلد فيها أربعين، إلى أن بعث إليه خالد بن الوليد -رضي الله عنه- يذكر له أنّ الناس قد استخفّوا بالعقوبة في الخمر، وأنهم انهمكوا فيها فما ترى في ذلك؟

فاستشار عمر -رضي الله عنه- مَن حوله، علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وعبدالرحمن بن عوف، رضي الله عنهم أجمعين، فقال ما ترون في ذلك؟

فقال علي بن أبي طالب يا أمير المؤمنين نرى أن يجلد فيها ثمانين جلدة، فإنّه إذا شرب الخمر سكر وإذا سكر هَذِي وإذا هَذِي افترى، وعلى المفتري ثمانون جلدة وتوجيه ذلك فقهياً أنه لما كان الأصل المُتفق عليه أنّ الحدود وُضعت للردع والزجر عن المحارم، فوجب أن يُرجع في حدّ الخمر إلى أشبه الحدود بها في القرآن، فكان حدّ القذف للمعنى الذي استنبطه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

الخُلاصة:

لتنظيم الحريات وليس منعها، جاءت القوانين مثل المرئي والمسموع والجرائم الالكترونية والمطبوعات والنشر، للحد من إساءة الاستخدام مثل القذف أو المساس والتعدي على حرمات الآخرين، مع توضيح المعنى الحقيقي لممارسة الحرية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي