ترامب وبايدن... وقواعد اللعبة مع إيران

تصغير
تكبير

كان لافتاً في المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين الرئيس دونالد ترامب ومنافسه الديموقراطي جو بايدن، ذلك الغياب للقضايا الدولية الكبيرة.

ما لاحظه معلقون أميركيون أن لا ذكر لسورية او العراق.

لا ذكر لحقوق الإنسان واللا مساواة والديكتاتورية في هذا العالم.

ولا ذكر لإسرائيل وفلسطين والشرق الأوسط والأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية ومعتقل غوانتانامو ومصيره والعلاقة بالاتحاد الأوروبي.

كان هناك تجاهل حتّى لبريطانيا الساعية الى إعادة تموضعها عالمياً في مرحلة ما بعد «بريكست».

ميّز نوع من السطحية المناظرة التي كانت سجالا، هادئا نسبيا، بين رجلين، أحدهما يطمح الى البقاء في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى، فيما يريد الثاني أن ينهي حياته رئيساً للولايات المتحدة بعدما أمضى ثماني سنوات نائبا لبارك أوباما.

لا يطمح بايدن الى البقاء في البيت الأبيض أكثر من ولاية واحدة.

لا يسمح له عمره بذلك.

لكن الثابت انّ دونالد ترامب لن يكون خصما سهلا.

لا يمكن التكهّن منذ الآن بأن المرشّح الديموقراطي سيكون المقيم الجديد في البيت الأبيض ابتداء من يناير المقبل.

بغض النظر عن التكهنات في شأن الإدارة الجديدة، التي ستتشكل في حال فوز بايدن، ما يمكن ملاحظته أنّه لن يكون من السهل العودة الى السياسات التي اتبعت في عهد أوباما.

قامت سياسات إدارة أوباما على أن الملفّ النووي الإيراني يختزل كلّ أزمات الشرق الأوسط ومنطقة الخليج وأنّه يكفي التوصل الى اتفاق في شأن هذا الملفّ كي يعتبر الرئيس الأميركي أنّه حقّق إنجازاً ليس بعده إنجاز في التاريخ الأميركي الحديث!

تكمن أهمّية إدارة ترامب في أنّها تعاطت مع الملفّ الإيراني عموماً بطريقة مختلفة كلّياً عن سابقاتها، بما في ذلك الإدارات الجمهورية.

فرضت قواعد جديدة للعبة سيكون صعباً على بايدن الخروج منها بسهولة.

لم يكتفِ ترامب بتمزيق الاتفاق النووي الموقع صيف العام 2015.

تميّزت كل مداخلاته بسرد في غاية الدقّة لما ارتكبته إيران منذ احتجزت الديبلوماسيين الأميركيين في طهران طوال 444 يوماً ابتداء من نوفمبر 1979.

لم يطلق هؤلاء إلّا بعد اجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر 1980 وفوز الجمهوري رونالد ريغان على الديموقراطي جيمي كارتر الذي حرم من ولاية ثانية.

تبيّن لاحقاً أن صفقة عقدت سرّاً بين المسؤولين عن الحملة الانتخابية للجمهوري ريغان ومبعوثين إيرانيين قضت بعدم اطلاق الديبلوماسيين قبل موعد الانتخابات.

تفسّر تلك الصفقة، الى حدّ كبير، ذلك التهاون للإدارة مع طهران في السنوات الثماني التي أمضاها ريغان في البيت الأبيض، بين بداية 1981 وبداية 1989 حين خلفه نائبه جورج بوش الأب.

استطاع ترامب، بفضل عدد من مساعديه الذين يفهمون في السياسة الخارجية ووضع المنطقة عموماً، من بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو، وضع سياسة متكاملة في شأن كيفية التعاطي مع إيران.

لم تتردد الإدارة الحالية في فرض عقوبات ولن تتردد، في ما يبدو، في الاستمرار في ذلك رغم أن موعد الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر المقبل.

الهدف من العقوبات الجديدة المتوقّعة فرض أمر واقع يصعب على إدارة بايدن تجاهله أو تجاوزه.

لا يمكن تجاهل أن إدارة ترامب أصرت على تصفية قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني. اغتيل سليماني مع أبو مهدي المهندس نائب رئيس «الحشد الشعبي» في العراق خارج مطار بغداد في مطلع العام الجاري.

كشف اغتيال سليماني أهمّية الرجل والأدوار المحورية التي لعبها في كلّ انحاء المنطقة، خصوصاً في لبنان وسورية والعراق واليمن.

كذلك، كشف اغتيال قائد «فيلق القدس» أن إيران نمر من ورق وانّ كل تهديداتها لا قيمة لها عندما تقرّر الولايات المتّحدة اعتماد المواجهة.

بقي ترامب أم جاء بايدن، هناك قواعد جديدة للعبة الأميركية مع إيران.

الأكيد أنّ بقاء ترامب في البيت الأبيض سيعني ان لا احياء للاتفاق في شأن الملف النووي ومزيد من العقوبات على «الجمهورية الإسلامية».

الأكيد، أيضا، أن إدارة ترامب، في ولايته الثانية والأخيرة، ستسعى الى اتفاق جديد وفق شروط معيّنة قاسية ستجد إيران نفسها مضطرة الى القبول بها في ضوء الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها.

لا يختلف عاقلان يتمتعان بحدّ أدنى من الواقعية على أنّ العقوبات التي شملت تصدير النفط الإيراني أوصلت الاقتصاد في هذا البلد الى الحضيض.

زاد الطين بلّة في «الجمهورية الإسلامية» هبوط سعر النفط من جهة وعدم امتلاكها ما تعوض به مداخيل النفط والغاز من جهة أخرى.

يظلّ السؤال ما الذي يمكن ان تفعله إدارة بايدن في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية؟ قبل كلّ شيء، لن تكون هناك عودة الى السياسات التي اتبعها أوباما.

الأكيد انّه سيكون هناك تغيير ما مقارنة مع سياسات إدارة ترامب.

مثل هذا التغيير سينصب على كيفية احياء الاتفاق المتعلّق بالملف النووي ولكن في ظلّ سعي الى تفادي النواقص.

فما ينقص هذا الاتفاق القيود على سياسة ايران خارج حدودها وعلى صواريخها الباليستية التي تبقى هاجسا من الهواجس التي تهمّ دول المنطقة.

فقد أظهرت التجربة ان ايران لا تتردد في استخدام الصواريخ في الحرب غير المباشرة التي تشنّها على الدول القريبة منها.

لا يمكن القول ان الصواريخ التي يستخدمها الحوثيون في اليمن والتي يطلقونها في اتجاه الأراضي السعودية، هبطت من السماء على الذين يسمون نفسهم «انصار الله»، وهم ليسوا في الواقع سوى أداة من أدوات طهران في المنطقة.

هذه الصواريخ إيرانية ولا شيء آخر غير ذلك.

فوق ذلك كلّه، سيبقى الكونغرس حاجزا يحول دون ذهاب أي إدارة أميركية بعيدا في التساهل مع ايران.

لن يكون سهلا امام «الجمهورية الإسلامية» تجاوز مثل هذا الحاجز الّا في حال كانت تريد ان تكون دولة طبيعية من دول المنطقة بعيدا عن الأوهام.

أوهام مرتبطة بمشروعها التوسّعي القائم على اثارة الغرائز المذهبية أوّلا وكونها قادرة على لعب الدولة المهيمنة في المجال الاقليمي... وهذا ما لا يسمح به اقتصادها الهشّ.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي