No Script

إسرائيل حجر الرُحى و... حاجة عربية وإيرانية!

تصغير
تكبير

قبل نحو الخمس سنوات، التقيت السياسي العراقي أحمد الجلبي في منزله في بيروت. الجلبي، كما هو معروف كان من أشد المعارضين لصدام حسين، ولعب دوراً محورياً في المعارضة العراقية. أثناء اللقاء، قال لي الجلبي إنّه بصدد بلورة اقتراح إقليمي يجول في ذهنه منذ فترة، مضيفاً: باختصار شديد، أنا أدعو إلى تعاون إقليمي اقتصادي تنموي يجمع بين إيران ودول الخليج العربي وتركيا. بطبيعة الحال، هذا يتطلب تغييراً جوهرياً في توجهات النظام في إيران. لكَ أن تتصوّر، أضاف الجلبي، عن إمكانيات ذلك التنين الإقليمي في حال إنشائه: توافر الموارد على كافة أنواعها من غاز ونفط وزراعة وصناعة، إضافة إلى الموارد البشرية. والأهم في ذلك أنّه يُشكل تجانساً وتآلفاً مذهبياً يجمع بين الشيعة والسنة، من المفترض أن يقضي على أي تشنّجٍ مذهبي في المنطقة. قلتُ يومها للجلبي: هذا حلم ليلة صيف!

مناسبة ما سبق، هو توقيع معاهدات السلام بين الإمارات والبحرين، وإسرائيل، في 15 سبتمبر الفائت في واشنطن (وهناك دول عربية أخرى ستلحق بالقطار). والسؤال هو، لو أنّ حلم الجلبي تحقق، وتخلّت إيران عن أجندتها في الإقليم من خلال التدخل بالشؤون الداخلية لدول المنطقة وتصدير «ثورتها» ونظامها المذهبي، هل كانت دول في المنطقة لتقدم على إتفاقية السلام مع إسرائيل؟!

سبق ذلك تصريح لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قائلاً: «الإمارات والبحرين أدركتا حقيقة التهديد الذي تُشكله إيران». وفي الاتجاه نفسه اعتبر وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد أنّ تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، وإعلان البحرين، «فرصة لمقاربة جديدة لمواجهة تحديات المنطقة» (صحيفة «وول ستريت جورنال» بتاريخ 14 سبتمبر الماضي).

وفي العام 2006 نشر الأكاديمي الأميركي من أصل إيراني مالي رضا نصر كتابه الذي ترك أثراً واضحاً في أسلوب التعامل الأميركي مع طهران، علماً أنّ رضا نصر كان يعمل مستشاراً لدى البيت الأبيض، وفي مجلس الأمن القومي الأميركي. كما أُعجب نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني بمضمون الكتاب الذي يرتكز على فكرة الاتفاق مع الشيعة لمواجهة الجهاد السني، والذي ضرب أميركا (في أحداث سبتمبر2001) وقاوم احتلالها للعراق بعد 2003.

هكذا، تمّت مهادنة إيران (بالاتفاق النووي) والتغاضي عن تحكمها في كلّ من العراق، سورية، لبنان واليمن. ولقد انعكس هذا التوجه في توصيات لجنة بيكر هاملتون التي أنشأها الكونغرس الأميركي وأصدرت تقريرها الشهير خريف 2006 مطالبةً بالانفتاح على «محور»لممانعة" في الإقليم. لكنّ الأمور مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب تغيّرت رأساً على عقب. والواضح أنَ سياسة المهادنة والاحتواء زمن كلينتون تحوّلت إلى سياسة المواجهة وتقليم أظافر طهران. والاتفاق الأخير، يُشكل تتويجاً لمحاصرة إيران والذي تزامن مع فرض مزيد من العقوبات الأميركية عليها وعلى أذرعها في الدول العربية.

ولكن، رغم ذلك، فإنّ من الملفت ما صدر عن إيران في ما خص الاتفاق، لم يكن حاسماً، ولا يتناسب مع حجم الاتفاق. طهران حصرت ردّها، بلغة سادها النُصح والحذر.

والسؤال هو هل قد تفتح طهران قنوات سريّة كي تصبح طرفاً في الاتفاق من خلال تفاهم مع واشنطن وتل أبيب حول أمن الخليج؟ الشأن الفلسطيني لم يغب عن مضمون الاتفاق. ولقد تعهدّت الإمارات والبحرين السعي لحلٍ عادل للقضية الفلسطينية. وقد جيئ على ذكر حل الدولتين العادل الشامل والدائم للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لكن دون الدخول بأيّة تفاصيل قد تُعكّر مضمون الاتفاق. والواضح أنّ ذلك لم يُرضِ القيادة الفلسطينية، لأنّ المطروح في ذلك الصدد قد يكون أقل بكثير مما تطمح إليه رام الله! وهنا تكمن مأساة القضية الفلسطينية.

ففي السابق كلّما لاحت فرصة ما، كان يتم إضاعتها والتعويل على فرص أخرى. ولقد نتج عن ذلك مزيد من الخسائر. والسؤال الذي يطرح نفسه بنفسه: هل بالإمكان التعويل على معاهدات السلام التي أبرمت والتي ستُبرم لاحقاً مع دول أخرى لتعزيز الموقف الفلسطيني؟! والسؤال الآخر، أيضاً لو أنّ أهل الحل والربط في العالم العربي كانوا، منذ أربعينيات القرن الماضي كانوا أصحاب رؤية وافترضوا بعجز النظام العربي الرسمي لاسترجاع فلسطين – كما كان ولا يزال هو المترجى – ألم يكن من الأجدى إذّاك اعتماد وقبول ما سبق وطُرح من مبادرات؟!

أستعرض في هذا الصدد، وباختصار بعض المحطات: الموافقة على قرار التقسيم 1948 مع كل الإجحاف الذي لحق بالفلسطينين. ألم يكن الأفضل حيث نص الاتفاق على إعطاء 46 في المئة من الأراضي للفلسطينيين و 54 في المئة لليهود الذين استقدمتهم الحركة الصهيونية؟ اقترح الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة عام 1964 أثناء زيارته للبنان بإعادة احياء مشروع التقسيم فتم تخوينه وتعالت الصيحات ضدّه! وافق الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر عام 1970 على اقتراح وزير الخارجية الأميركي وليام روجرز لوقف حرب الاستنزاف وتفعيل قرار 242 القاضي بالانسحاب من جميع الأراضي المحتلة فشنّت الفصائل الفلسطينة هجوماً ساحقاً ضدّه.

عام 1978، لو انضم الفلسطينيون لمبادرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، لم يكن هناك من مستوطنة واحدة في الضفة الغربية!

اتفاق أوسلو 1993 والذي لم يكتمل عقده باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، ثمّ اسْتُلحِقَ باجتماعات كامب ديفيد 1996 بين الرئيس الأميركي الأسبق بيل كيلنتون ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك، أفضى إلى انسحاب إسرائيل من 98 في المئة من الضفة، لكنّ حل وضعية القدس كان العائق لموافقة أبو عمار.

في ضوء ما سبق، السؤال هو هل سيقبل الفلسطينيون مما سينتج عنه الاتفاق الأخير مع إسرائيل في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، أم سيرفضون، كي تزداد خسارتهم أكثر في المستقبل؟!

النظام العربي الرسمي كان ولا يزال بحاجة إلى إسرائيل، فبحجة تدميرها واستعادة فلسطين، مارس النظام العربي الرسمي القمع، كم الأفواه، وفتح السجون، في وقت كانت إسرائيل ولا تزال، رغم عنصريتها، تنعم بديموقراطية يُحسد عليها. فقد شهدت منذ تأسيسها حتى اليوم أكثر من 20 دورة انتخابية.

اتفاق السلام الأخير مع إسرائيل يؤشر بشكل أو بآخر إلى أنّ اسرائيل منذ تأسيها عام 1948 كانت ولا تزال حجر الرُحى وحاجة عربية وإيرانية أيضاً، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُعد وتُحصى:

مصرياً: عبدالناصر تواصل سرّا مع إسرائيل، عبر الملحق الصحافي في السفارة المصريّة عبدالرحمن صادق الذي حمل رسالة موقعة من قبل عبدالناصر، جاء فيها: «إنني أؤكد أن ليس لدينا أي نوايا عدوانيّة ضدّ إسرائيل وإنني سعيد لأن حكومة إسرائيل تتقبل كلامنا على أساس الثقة المتبادلة!»، بحسب مجلة «آخر ساعة» المصريّة (بتاريخ 20-2-2013). ومصرياً أيضاً ما تأكد هو أنّ أشرف مروان، صهر الزعيم «الخالد» جمال عبدالناصر كان يتواصل مع إسرائيل.

سودانياً: اجتمع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (في فبراير الماضي في نيروبي)، وأفضى الاجتماع إلى فتح المجال الجوي السوداني للطائرات الإسرائيلية. لكنّ الأهم من ذلك شطب السودان من الدول الداعمة للإرهاب بسعي إسرائيلي مع واشنطن! الأمر الذي يُعبّد الطريق للسودان للحصول على المساعدات المطلوبة من واشنطن وغيرها.

سوريّاً: لن نعود إلى عام 1967 حين سحب حافظ الأسد وكان وقتها وزيراً للدفاع سلاح المدرعات من القنيطرة مما سهل احتلال إسرائيل للجولان، بل نذكر ما ذكره نسيب الأسد الابن، رامي مخلوف، أثناء الثورة السورية: أمن اسرائيل من أمن النظام في سوريا!

لبنانياً: قسم من اللبنانيين كان أيضاً على صلة باسرائيل. كان ذلك قبل عام 1975 حين ظهر على العَلَن التعاون بين الرئيس بشير جميّل والجبهة اللبنانية مع إسرائيل ولعلّ الرجوع إلى كتابين، «عدو عدوي: لبنان في المخيّلة الصهيونية المبكرة 1900-1948» (لورا إيسبرغ - نيوجرسي برس 1995) إضافة إلى كتاب رؤوفين إرليخ «المتاهة اللبنانية سياسة الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل تجاه لبنان من 1918 إلى 1959» (تعريب محمد بدير، 2017) يكشف التعاون الوطيد التي جمع إسرائيل مع مسؤولين لبنانيين وعلى رأسهم الرئيس الراحل كميل شمعون.

أمّا كون إسرائيل حاجة إيرانية (وتركية أيضا فأنقرة رغم التوجه الاسلامي للرئيس رجب طيب أردوغان والتشنج التركي - الأسرائيلي أثناء حصار غزة على سبيل المثال أبقت على علاقتها الديبلوماسة مع تل أبيب).

فالشواهد على ذلك واضحة منذ زمن الشاه وصولاً إلى الخميني وإلى يومنا هذا. بطبيعة الحال، هذا لا يحجب تشنجاً من هنا أو هنالك إضافة إلى تصاريح نارية لتغطية ما يحصل في الخفاء. فقد أكدّ وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو أنّ ايران وإسرائيل نسقتا وتعاونتا مباشرة في المجالات العسكرية الاستخباراتية لتدمير العراق خلال الحربي العراقية الإيرانية حيث بلغت الصادرات العسكرية الاسرائيلية بإيران مليار دولار (صحيفة العربي الجديد، لندن، 21/2/2020). أيضاً كشف النقاب عن دور ضابط الاستخبارات الأميركي اوليفر نورث الذي عمل على ترتيب صفقة أسلحة ذهب ريعها إلى «ثوار الكونترا».

لكن ما يُثير الأسف، أن إيران قدّمت خدمات لا تُقدّر بثمن إلى إسرائيل من خلال زعزعة بنيان أربع مجتمعات عربية: اليمن، العراق، سورية ولبنان من خلال توجيه سهام التمذهب وفرض أجندة مذهبية، دينية سلطوية عملت على تشويه وتمزيق الـتآلف والتجانس المجتمعي.

انظر ماذا يحصل في بلاد الأرز، في لبنان الذي وصفه بابا روما الراحل يوحنا بولس الثاني، بلبنان الرسالة والذي مع الأسف، يعاني تشنجات مذهبية، من أجل حقيبةٍ وزارية... يخال المرء أنّها تحتوي على متفجرات، أين منها متفجرات مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي!

اتفاق السلام الأخير، يؤشر أن المنطقة قادمة على ترتيبات في غاية الأهمية. والمؤسف أنّه بدلاً أن تتوحد الجهود في الداخل اللبناني للنهوص بالبلد من القعر الذي نحن فيه قبل الوصول إلى الجحيم كما صرّح رئيس الجمهورية، نرى، مع الأسف الشرذمة والانقسام! لعلّ البعض قد نسي أنّ هنالك نحو الـ 250.000 ألف لاجئ فاسطيني. أتمنى أن الترتيبات على صعيد المنطقة أن لا تبقيهم في لبنان. هذا كي لا ننسى مليون لاجئ سوري. ويا ليت إسماعيل هنية والذي لا نتمنى عودته إلى لبنان، قد تفقد أيضاً مخيماً للاجئين السوريين قبل لقائه أمين عام «حزب الله»، فتظاهر بعد معرفته وسأل اللاجئين السوريين إخوانه، ليس فقط في الدين، بل في المذهب أيضاً! (لعن الله الطائفية المذهبية وأخواتها)، عمّن طردهم من ديارهم وحقولهم وشتتّهم وأذاقهم طعم الذل! وحين نقل لأمين عام «حزب الله» ما سمع، أظن أنّ المُضيف أجابه، بأنّ محاربة الإمبرالية الأميركية، والجهاد والسعي للصلاة في القدس... قد تتطلب أحياناً الدوس على كرامات الناس وقهرهم!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي