محمد العوضي / خواطر قلم / الهاشم يتحدى... والقطريون يرحبون!

تصغير
تكبير
ما كان بودي أن أضمن الموضوع (الأزمة) بذكر الأسماء، ولكن الحدث يفرض تفاصيله... الأسماء... الأماكن... التاريخ... قبل شهر كنت في العاصمة القطرية (الدوحة)، وبينما كنت مع بعض الأصحاب نحتسي الشاي في فندق الشيراتون، تقدم اليّ شاب قطري في منتصف العقد الثالث من عمره، ورحب بي بحرارة وحفاوة وقال إنك كنت تزور والدي في جدة أيام دراستك في جامعة «أم القرى» بمكة المكرمة، فعرفت ان والده حسن الغانم القنصل القطري في جدة، وكان ديوانه عامراً والزيارات متبادلة بين القناصل وكنا نتردد عليهم، وكان نعم الرجل، وهو الآن وزير العدل القطري، وهذا الشاب عبدالله بن حسن الغانم ابنه، الذي إذا رأيته لا تشعر الا بالحيوية والأمل مع جميل الخلق والتواضع، ولم أكن أعلم ان هذا الظاهر يخفي وراءه قصة حزينة، فعبدالله بن حسن الغانم شاب أصيب بداء (M.S) وهو مرض يصيب الأعصاب وله اعراض تختلف بدرجاتها وأنواعها من شخص لآخر، منها العمى الموقت فالمصاب قد يمر عليه (10) دقائق من انعدام الرؤية، ويصيب البعض بالعقم ونوبات عصبية متنوعة، والشلل... الخ.

علمت من عبدالله بن حسن الغانم أنه مصاب بمرض (M.S) وأنه طاف مستشفيات الدنيا من أميركا إلى أوروبا ولم يجد له علاجاً، كل ما هنالك تدابير وقائية وتخفيف عن طريق تدريبات معينة.

حزنت عليه لعلمي بالآلام التي لا تطاق عندما تزوره النوبات العصبية بالليل... لكنه صابر ومحتسب والعجيب أنه لم ييأس لا من الشفاء ولا من الحياة، فلولا إيمانه لانهارت ارادته ولاستسلم أمام البلاء... الشاب عبدالله بن حسن الغانم لا يحدثك الا وهو باسم المحيا، وكلمة الحمدلله تتخلل الجمل الهادئة التي تتقاطر من فمه... سألته ما سبب المرض فقال حرب الخليج الأخيرة وآثار الدمار التي حلت بالجزيرة العربية، والكويت لها نصيب كبير من رواسب ومخلفات الحرب... وقال هل تعلم ان عدد المصابين بمرض (M.S) بلغ 14 ألف حالة!! أما في قطر فبلغ العدد 400. وهنا عادت بي الذاكرة إلى قبل 3 سنوات عندما استضافت قناة «الراي» في برنامج (وراء الأبواب) 5 مصابين بالمرض نفسه ودار حوار صريح، كما استضافت الدكتور شكري الهاشم للتعليق وطرح الرأي الآخر مقابل من يموت من آثار الحرب والمرض من انتشار هذا الداء الغريب، سألني عبدالله بن حسن الغانم ومن يكون شكري الهاشم قلت له: ضروري تتعرف عليه. لقد أصيب بهذا الداء وحاول علاجه، ولكنه تجاوز الطب التقليدي وسافر - بعد ان كان عاجزاً مشلولاً - إلى الهند (دلهي) وأشار عليه بروفيسور هندي بأن العلاج يتطلب العزلة والتركيز، فسافر الهاشم إلى الصين، ومنها إلى جبال التبت (قرية الملاوي) وانقطع فيها شهورا يعالج بالرياضات الخاصة والاعشاب وما لا أعلم وكانت رحلة شفاء من أروع ما يمكن كما يصفها لكل من يسأله عنها، فعاد يمشي على قدميه بكامل صحته.

والجميل في شكري الهاشم انه اخذ الماجستير من أميركا في علوم البيئة وكانت دراسته عن (الاضطرابات العصبية بسبب الملوثات البيئية) وأكمل الدكتوراه من أميركا في التخصص ذاته، وحتى البكالوريوس كان من هناك. وقد فتح في الكويت (مكتب المستشار الدولي للتغذية الدوائية) وهو يقول أنا لست طبيبا أنا صاحب تجربة وتخصص من أثر الملوثات البيئية على صحة الإنسان واقدم استشارات، وقد اختير مستشاراً في شؤون البيئة في البرلمان الكويتي... أين التحدي في ما نقول ونكتب عن الزميل شكري الهاشم؟! والجواب ان الدكتور شكري يرى ان التلوث في الكويت شيء مرعب... مدمر... أخطر من كل شيء... فأنت تستطيع ان تتجنب وتهرب من أي مواد ضارة. أماكن... طعام... مقتنيات... الخ. ولكن هل تستطيع ان تهرب من الهواء والتنفس؟! ليس هذا مقام عرض المعلومات والوثائق والصور والرحلات التي يتحصن بها الهاشم في كل حوار، لكنه يرى هناك صمتا أو تراخيا في كشف حجم الجريمة المسكوت عنها جراء مخلفات الحرب الأخيرة ويقول من يستطيع ان يزور الآليات العراقية المضروبة باليورانيوم المنضب الأميركي؟، انها من منطقة أم القواطي شمال الجهراء على رقعة مليون متر مربع محروسة بسيطرة أميركية وتحوي آلاف القطع!! فإذا أضفنا لها مصادر اخرى كالتسرب الغازي والتلوث البحري الأخير فإننا محاصرون بالسموم جواً وبحراً وبراً.

لقد أبلغت شكري الهاشم بأن البعض يصفه بأنه يبالغ ويهول الأمور فقال: أنا لا أتراجع الا أمام البراهين والحق وانقلها عني أنني على اتم استعداد للظهور في أي قناة للمناظرة والحوار مع أي جهة خاصة أو عامة سياسية أو حكومية من دون ان يخبروني بأسماء الطرف الآخر بشرط ان يكون الحوار على الهواء مباشرة ليس عندي أبواب مغلقة ولا خطوط حمراء... وقال: ان (M.S) من الأمراض الصامتة التي تحصد الناس دون ان تكون هناك احصائيات دقيقة.

عبدالله بن حسن الغانم عندما سمع مني هذا الكلام مباشرة وعبر مهاتفة تلفونية لاحقة طلب مني أرقام الهاشم، ورحب به كل ترحيب وقال سوف نستضيفه بقطر لأن هناك من هم أسوأ حالاً مني، أو نسافر اليه فمرحباً به هنا وهناك...

أقول: ان الكويت صارت مرتعاً لأمراض متزايدة ومتنوعة سرطانات نوعية وبأعداد كبيرة وما لا تعرف من الأمراض ولاشك الأسباب كثيرة، ولكن أشدها ما يسببه هذا التلوث المسكوت عنه، فالمسألة تحتاج حلاً يفوق حلول الاستجوابات البرلمانية!!





محمد العوضي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي