بعيداً عن الشؤون السياسية والصراعات التي لا تنتهي، كنت استعرض فضاء الإنترنت كي أبحث عمّا يسر من نص أو أدب أو فكاهة تلهيني شخصياً عن المنظر السوداوي الذي نعيشه. فقد حصلت على قصة جميلة، وهي عبارة عن احدى قصص كتاب «كليلة ودمنة» للمؤلف الهندي بيدبا الفيلسوف، والذي ترجمه إلى اللغة العربية «الإيراني» عبدالله بن المقفع. المهم، أذكرها لكم اختصاراً وبتصرّف من عندي، على أمل أن نأخذ العبر منها، لعّلنا نفيد ونستفيد.
يحكى قديماً في احدى الغابات كان هناك ملكاً وهو أسدٌ كسول حيث يعتمد على مساعديه كي يحقق ما يريد. وفي يوم من الأيام كان الأسد جائعاً، وبما أنه اتكالي فقد طلب من أحد المقربين منه وهو «الثعلب» بأن يُؤمّن له وجبة دسمة. ومن براعة مكر هذا المساعد، فكّر الثعلب بفريسة سهلة المنال والاستدراج، فوقع اختياره على «الحمار» لسهولة التعامل معه. توجه الثعلب للحمار قائلاً له: «الملك يريد أن يعزل نفسه، وقد وقع الاختيار عليك أن تكون ملكاً للغابة مكانه، فتعال معي كي يتفحصك الأسد». لأول وهلة استنكر الحمار على نفسه بأن يكون ملكاً للغابة، ولكن مع إصرار الثعلب وإقناعه، ذهب الحمار مع الثعلب إلى عرين الملك. وما أن دخل الحمار ورآه الأسد، قام الأسد من فرط جوعه وانقض عليه بشكل عشوائي وخلع أذني الحمار من مكانهما. أدرك الحمار المكيدة وعلى الفور فرّ خوفاً من هذا الخطر الذي أوقعه به الثعلب.
عاد الأسد لطلبه مجدداّ، فقد أمر مساعده الثعلب أن يأتي له بفريسة وافرة اللحم، وعليه قرر الثعلب أن يعاود الكرة مع الحمار «نفسه». بالفعل، توجه الثعلب للحمار مرة أخرى وأخذ يوبخه على هربه في المرّة السابقة، وبمكره المعهود نفى الثعلب بأن يكون قد نصب له المكيدة وقال له: «لقد كان الأسد يتفحصك وقد تعمّد خلع أذنيك كي تستطيع بعدها لبس التاج بسهولة». اقتنع الحمار بهذا السبب وطلب من الثعلب أن يأخذه مرّة أخرى للأسد كي يتسامح منه. مَثُلَ الحمار أمام الأسد للمرة الثانية وطلب منه العفو على غبائه وهروبه في المرة السابقة. ولكن الأسد ومن شدة جوعه لم يتمالك نفسه وانقض مجدداّ على الحمار، ولكن هذه المرة بتر ذيل الحمار. والأخير كعادته فرّ هارباً من الخوف.
في اليوم التالي، طلب الأسد من الثعلب الطلب نفسه، ولكن هذه المرّة شدد لغة التحذير عليه وقال له: «لو لم تأتني بالفريسة هذه المرة، فإنني حتماً سوف آكلك أنت». ومن جديد عاود الثعلب الكرّة مع الحمار نفسه، وهذه المرّة أخذ يحاول إقناع الحمار بأن الأسد تعمّد بتر ذيله كي يستطيع الجلوس على كرسي الحكم بشكل لائق دون أن يظهر له ذيل بشع. الحمار كالعادة صدّق منطق الثعلب وذهب معه للمرة الثانية كي يعتذر للأسد. وفي هذه الأثناء، انقض الأسد بشكل قاتل على رقبة الحمار الذي كان يصرخ محتضراً في تلك اللحظات «أين أضع التاج... أين أضع التاج» حتى مات.
لا تستعجلوا يا سادة، فلم تنته القصة بعد! فقد مات الحمار وأمر الأسد مساعده الثعلب الماكر أن يسلخ له الفريسة وأن يستأصل منها كلاّ من المخ، الرئة، القلب، والكبد ويأتي بها للأسد لطيب مذاقهم وسهولة مضغها. وبالفعل قام الثعلب بتنفيذ ما طلب منه، وأتى للأسد بما أمر عدا المخ وهو ألذ ما في الفريسة. وهنا سأله الأسد «أين المخ؟» أجاب الثعلب: لم أجد للحمار مخاً، فلو كان له مخ لما عاد إليك في كل مرّة وأنت تنقض عليه لتأكله.
عبدالله زمان
[email protected]