علي الرز / ... مهما فعلوا

تصغير
تكبير

|   علي الرز   |


آخر الكلمات التي نقلها الاعلاميون عن الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مقهى «اتوال» قرب البرلمان قبل اغتياله، كان اصراره على ألاّ يمس اتفاق الطائف بأي شكل من الاشكال. لحظتها كان، رحمه الله، يرد على حلفاء له في الرؤية السياسية السيادية وهو في عز الحصار عليه الذي توج بجريمة تفجير موكبه، ومع ذلك كان يرى لزاما عليه ان يعيد ويكرر طرح رؤيته لتطوير النظام السياسي انطلاقا من اتفاق الطائف مع تصحيح المسيرة ما امكن.

وكي لا ننسى ايضا، نتذكر خطاب الحريري في الجامعة الاميركية في بيروت قبل تسلمه رئاسة الوزراء عام 1992حين اكد ضرورة صيانة اتفاق الطائف وتجنيبه كل ما من شأنه تحريف بنوده في الممارسة.

نتذكر ذلك كله ونحن نرى اليوم العرض المستمر المتكرر لفيلم الجلسات النيابية الدخانية الذي تنفتح شاشته صباحا على جرعة تفاؤل ثم يسمع المشاهد ويرى كل انواع التوتر اللفظي والتصعيد السياسي لتقفل صالة المجلس على جرعة تفاؤل اخرى... نتذكره لان القضية لم تعد التوافق على اسم رئيس للجمهورية بل على تغيير النظام السياسي اللبناني انطلاقا من تغيير اتفاق الطائف او تعديله.

قالت المعارضة انها لم تعد تريد تعديل الحكومة بل الاتفاق على رئيس للجمهورية. اكد رموزها اكثر من مرة ان اسم الرئيس اهم من برنامجه في محاولة للالتفاف على ترشيح الغالبية لنسيب لحود وبطرس حرب  وهما من اصحاب البرامج الوطنية التوحيدية السيادية. ايدوا المبادرة الفرنسية التي فتحت خطوط اتصال مع دمشق. اكملوا التأييد بالموافقة على لائحة بكركي. صعدوا لهجتهم ضد مبدأ الانتخاب بالنصف زائدا واحدا وهددوا بحرب وانقلاب. ايد «حلفاء» الغالبية في اوروبا واميركا مطالب المعارضة وخيمت الترويكا الاوروبية في بيروت بدعم دولي ناقلة المطالب من فريق وحاصدة التنازلات من فريق آخر. تعثر الاتفاق على لائحة بكركي بسبب الاصرار على اسم بعينه. اجتمع اركان الغالبية واقروا بان اسم الرئيس اهم من برنامجه كما طالبت المعارضة فكان التوافق على العماد ميشال سليمان. ارسلت المعارضة ورقة لتعديل الدستورعلى ان تمر من خلال جلسة قصيرة لمجلس الوزراء يحضرها بعض الوزراء المستقيلين وترسل بمرسوم الى المجلس فوافقت الغالبية فورا لكن المعارضة طرحت  سلة مطالب للبت بها قبل التوافق على الرئيس تشمل كل شيء تقريبا في الدولة من تعيين رئيس حكومة والحصص داخلها الى قيادة الجيش فالاجهزة الامنية وصولا الى مسؤولي الادارات العامة. قال قطب كبير في المعارضة لزواره ان الامر «اصبح اكبر منا» داعيا الى تفاهم سوري – سعودي. شرح نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ماذا تعني عبارة «اكبر منا» بحديثه عن حلفائه في لبنان وعن تأجيل الانتخابات وهجومه على المملكة العربية السعودية. استشهد اللواء فرنسوا الحاج فقررت الغالبية ان الوضع يحتم القبول باي مبادرة لملء الفراغ لكن الرد اتى سريعا: الرئيس نبيه بري لم يعد المحاور باسم المعارضة بل العماد ميشال عون وعلى الغالبية محاورته. ذهب الجميع مجددا الى المجلس النيابي بعد آلية جديدة لتعديل الدستور ترضي الكثيرين فاعترض بعض نواب المعارضة مطالبين بان تذهب الغالبية قبلا الى العماد عون وتقدم له ورقة ضمانات.

لم يعد سرا ان الغالبية اللبنانية رمت كرة التوافق في ملعب المعارضة بتنازلاتها، ولم يعد سرا ايضا ان فرق المعارضة تقطع الوقت بتمرير الكرة بين لاعبيها انتظارا لاوامر المدرب بالتقدم او التراجع، فالقصة مرة اخرى وثالثة ورابعة هي قصة المدرب لا قصة اللاعبين.

ما لم يحصل «المدرب» على ضمانات دولية ثابتة واكيدة بابعاد العقوبات عنه، وباعادة دمج فريقه في الاتحادين السياسيين العربي والدولي، وباشراكه فعليا لا شكليا في تنظيم كل المسابقات والمباريات، وبالاعتراف له بالدور الاساسي في ترتيب امور الملاعب المجاورة وفرقها فلن يحصل حل في لبنان مهما تنازلت الغالبية وغيرت خططها واعادت ترتيب انتشارها.

الغالبية محقة في ان اي حل هو افضل من الفراغ والفوضى لان الاجندة الاقليمية المثالية على المدى الطويل عنوانها النموذج الرواندي، فترميم الدولة ممكن لاحقا مع العماد سليمان، والتحالفات في ظل نظام متكامل الاركان تتغير وتتبدل وتعود الى طبيعتها نوعا ما، لكن ما يحصل كل يوم يكشف ان الهدف ليس تعطيل الرئاسة فحسب بل تغيير النظام بدءا بضمانات التشكيلات الامنية المعروضة وانتهاء بافكار الفيديرالية واعلاء حقوق الطوائف فوق حقوق الدولة، فان تم ذلك يتغير النظام سلميا وان سارت الامور الى الحرب يتغير النظام عسكريا وفي الحالتين تعيد المعارضة اللبنانية ومن خلفها، وامامها، سورية اعادة انتاج النظام السياسي اللبناني.

بدأ رفيق الحريري حياته السياسية الرسمية في لبنان بالتمسك بالطائف وانهيت حياته بعد دقائق من تكرار تمسكه بالطائف ... والاغتيال بطبيعة الحال لم يحصل حتى تستمر مسيرة السيادة والاستقلال والبناء والاعمار.


alirooz@hotmail.com

  

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي