| نادين البدير |
لأن الطفولة مرتبطة برفع القلم عنها.. فالشعوب هنا لا توليها الكثير. تعتقد أنها زوائد هامشية، وتتصرف على هذا النحو.
داخل مأمن العائلة، الطفلة كائنة متحركة بنيوياً ساكنة عقلياً. من حكم عليها بالتبلد؟
طفلات الشوارع يملأن المدن، المتسولات، اللقيطات في الملاجئ، المتشردات. من قرر لهن حياة الضياع؟
أعين المارة ترقب الأعمار الصغيرة وهي مهملة ممزقة دون ابداء أي ملاحظة أو استغراب. دليل أكبر على أننا نعيش خارج أطر الحضارة مهما طالت الأبراج. الأعين ترقب الطفلات وهن يبعن التبغ والجرائد وأشياء أخرى للرجال، ولا نسمع رأيا أو فتوى تناهض انفلات بنات الشوارع وخروجهن عن القيم والأخلاق واختلاطهن بالرجال.
كأن الرأي العام لا يهيبه تشرد الجسد الأنثوي، يخيفه التفكيك الأنثوي للقانون.
حين ظهر تقرير خبراء الأمم المتحدة فيما يختص بحقوق الطفلة الأنثى، لاقى استنكارا كبيراً على المستوى المجتمعي العربي. كانت النساء وما زالت أشد ضراوة من الرجال في الدفاع عن الأوضاع الحالية للطفلات العربيات، مثلما كشرن عن أنيابهن سابقاً وأشهرن سلاح الشتائم أمام اتفاقية سيداو وكل اتفاقية تحدثت عن منح الأنثى حياة كريمة.
امرأة كانت المؤسسة الحقيقية لنساء طالبان الجديدات، وهي الجذر الراسخ لبقايا ذلك النظام وحارسته في الشارع العربي العام.
امرأة كانت من كتبت تتهم الحكومات العربية ذات الرئاسة الذكورية بابتعادها عن الشرف حين وضعت ختمها على اتفاقية الحريات الأنثوية. بدلا من اتهام الحكومات بتجميد تفعيل الاتفاقيات، ومحاسبة الأنظمة على التحفظات ضد أهم بنودها.
الطفلة العربية منذ عهد الوأد مثار خشية وقلق وكراهية، الحل أن تندمج في حياة الشوارع أو تقمع بكنف المنازل الرتيبة وقوانين العائلة الحابسة. أما تنفيذ حقوق الطفلة فيعني أن أحدا لن يعود بمقدوره استغلالها.
تعتبر طفلة كل من تقع تحت سن الثامنة عشرة بنص المواثيق الدولية للأمم المتحدة.
بنود حقوق الطفلة الأنثى لا تقل أهمية عن اتفاقية مساواة المرأة بالرجل، فمن هذا العمر الصغير يبدأ التكوين وتنتشر الأحلام. الحل المثالي يبدأ مع بدايات التكوين.
غضب العرب. قالوا انه ليس للطفلة حقوق، وكيف يكون لها حق تحديد الجنس؟
كاذبون في نضالهم ضد الأنظمة الديكتاتورية، لأنهم قمعيون داخل منازلهم ومدارسهم وقامعون لأنفسهم.
غضبت اناث العرب قبل ذكورها لأنهن لم يستمعن من قبل عن قضايا الحرية الجنسية للفتيات والجنس الآمن والصحة الانجابية وتوفير معلومات الصحة الجنسية للطفلة، ولم تستوعب ثقافتهن اعتبار الزواج المبكر عنفا وأذى يلحق بالطفلات، كما اعتبار المهر عنفا ضد المرأة بتحويلها الى سلعة تباع وتشترى، كما الهياكل الطبقية في المنزل تحول النساء لذليلات للرجال (اسألوا آلاف المتزوجات غير السعيدات عن سبب عدم طلاقهن أو تمردهن سيكون الجواب: الحاجة المالية للزوج) اضافة لحق المساواة التامة بالميراث بين الجنسين، خاصة وأن القوانين الحالية تحد من قدرة المرأة على التطوير الاقتصادي في اشارة للتمييز ضد الفتاة في الارث.
كل ذلك ضد العادات وضد الدين. لكن ما يحدث على الأرصفة العربية لم يكن يوما ضد الدين، تسول الطفلة الأنثى ليس ضد الدين، وسهرها في الطرقات وانتمائها للعصابات ليس ضد الدين. وضربها ومنعها من التعليم واستغلالها واغتصابها وتحويلها لجماعات الليل لا يمس العرف بشيء.
اعتبر التقرير عذرية الفتاة وخصوبتها كبتا جنسياً، ونال انتقادا واسعاً. وفقا للثقافة المحلية فان ولي الفتاة هو من يقرر متى تنتهي عذرية الفتاة وهو (الولي الذكر) من يضع بصمته على عقد فينهي كبتها الجنسي بتدخل أو دون تدخل منها. وقد يشطح شذوذه فيغتصبها دون شكوى. خوفا أو خجلا أو جهلاً. هكذا ترسم خريطة الطفلة الجنسية وفقا للمعايير المحلية القاصرة.
من أخف وطأة على الطفلة الأنثى؟ الحياة ضمن اتفاقية تضمنها الأمم المتحدة، أم ضمن حياة القوالب الجندرية النمطية.
غضبت النساء لأنهن تعلمن ربط الحرية بالفوضى والقانون بالكفر، تدرجت الثقافة وانحدرت. من دفنت في تاريخ العرب رغما عنها تحفر بيديها اليوم قبراً يلائمها. تبحث عن أسلحة جديدة بداخلها تحميها من مخلوق مخيف اسمه الحرية.
****
حدث مهم في حياة العربيات. تريد حكومة أن تثبت تفوقها على النساء:
الأردن يتراجع عن تحفظه على أحد بنود اتفاقية الغاء أشكال التمييز ضد المرأة. وهي المادة الرابعة من الفقرة 15 والمتعلقة بمنح اِلمرأة الحرية في اختيار محل السكن والاقامة، بغض النظر عن حالتها الزوجية، وبند آخر يؤكد على اعطاء المرأة نفس حقوق الرجل في عقد الزواج مما يستتبعه التغاضي عن مبدأ الولاية عند ابرام عقد القران.
وكما صرح بعض المعارضين والمعارضات لالغاء التحفظ الأردني فان «تمرير الاتفاقية والغاء التحفظات دون سلك السبل الشرعية والفقهية لهو سابقة خطيرة».
ليت السوابق الخطيرة تملأ مدننا وقوانيننا ومحاكمنا وأخبار صحفنا.
ليتها تملأني حتى الثمالة، فتعوض سنوات طفولتي، أنا التي حرمت من حقوق الطفلة الأنثى.
كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]