لم يَحُلْ انشدادُ لبنان إلى لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيسِ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غداً دون تَرَكُّز الاهتمام بالتوازي على ما يمكن وصْفه بـ «الإنجاز غير الناجز» الذي شكّلتْه مصادقة مجلس الوزراء (الجمعة الفائت) على مشروع قانون الاستقرار المالي واسترداد الودائع.
وإذا كان لقاء ترامب - نتنياهو سيكون «ثالثه» في الملف اللبناني هو سلاح «حزب الله» والخطوة التالية المرتقبة من بيروت أوائل السنة الجديدة لجهة تدشين مرحلة تفكيك ترسانة الحزب شمال الليطاني كأحد «الفرامل» المطلوبة أميركياً للجم إسرائيل مجدداً عن التصعيد الكبير وإرجائه أسابيع إضافية، فإنّ مشروع «الفجوة المالية» الذي أقرّتْه الحكومةُ لا يقلّ أهميةً «على سلّم» ارتباطه بإصرار المجتمع الدولي على أن يكون أي دعْمٍ لنهوض «بلاد الأرز» مرهوناً بمسارين متوازيين ومتكامليْن: السلاح والإصلاح.
وفي الوقت الذي يسود الترقب لخلاصات قمة ترامب - نتنياهو، فإنّ بيروت بدت مأخوذةً أمس، أيضاً إلى ارتدادات الصِدامَ الناعم الذي شهده مجلس الوزراء اللبناني في الطريق لاستيلاد «قيصري» لمشروع قانون الاستقرار المالي واسترداد الودائع، عقب 6 سنوات ونيّف من تخبّط السلطات التنفيذية والتشريعية في إنتاج رؤية تشاركية وخطة ناجعة لمعالجة تبعات الانهيارات النقدية والمالية العاتية التي ضربت بحدة بالغة كامل ركائز القطاع المالي، وتسبّبت بفجوة خسائر تزيد على 73 مليار دولار وفق تقديراتِ مؤسسات دولية.
وجاء إقرارُ المشروع مُحَمَّلاً بـ «غبار كثيف» يعكس المناخاتِ المتضاربة التي عبّرت عنها طريقة ولادته كما مضمونه، والتي «نافست» في خلفياتها وتداعياتها المحتملة سياسياً ومالياً ومصرفياً «الرياحَ المتعاكسة» التي تلفح «جبهة لبنان» عشية لقاء ترامب - نتنياهو، في ضوء مناخاتٍ عن أن واشنطن وفّرتْ «بوليصة تأمين» لبيروت من أي حربٍ إسرائيلية وشيكة ما دامت عملية سحب سلاح الحزب مستمرة وبخطواتٍ يمكن «تقفي أثرها» الجليّ والجدي والمجدول زمنياً، في مقابل أجواء أن «رياح الحرب تشتدّ» على مقلب تل أبيب وأن رئيس وزرائها سيناقش هذا الملف في الولايات المتحدة.
وليس من المبالغة بشيء، التنويه بالدور المحوري وتوظيف الحد الأقصى من الرصيد الشخصي، على المستوييْن الوزاري والقانوني لرئيس الحكومة نوّاف سلام في مرحلة إعداد مشروع قانون الفجوة المالية وصوغه، ثم في حشد التصويت على إقراره في الحكومة، توطئة لإحالته على البرلمان، وسط رَفْضٍ متصاعد من جموع المودعين المحاصَرين باستنزافِ مدخراتهم، ومناخاتٍ سياسية وقطاعية أشهرت اعتراضاتٍ شديدةً على مندرجات محددة في المسودات المتداوَلة.
وعكس التقارب في التصويت على المشروع في جلسة مجلس الوزراء، بواقع 13 مع و9 ضد، بحسب مسؤولٍ ماليّ معنيّ، جانباً من استدامة هشاشة إدارة الدولة، بسلطاتها ومراكز قواها، وتغليب المصالح الفئوية على الضرورات المُلِحّة لإخراج البلد وناسه واقتصاده من دوامة المِحَن، ما يشي بأن العقبات الكأداء ستتربص بالرحلة التشريعية للقانون، بدءاً من اللجان المختصة، وبلوغاً إلى الهيئة العامة لمجلس النواب خصوصاً مع العدّ التنازلي لانتخاباتٍ نيابيةٍ أواخر الربيع أو في الصيف.
وترجّح القياسات الأولية، طول «إقامة» المشروع المنشود في لجنة المال والموازنة، لأسباب وجيهة تتصل أساساً بالتمثيل النيابي الموازي للوزراء المعترضين، وإعادة تكوين قاعدة البيانات والإحصاءات الناقصة، لا سيما تحديد حجم الفجوة في ضوء اقتراحاتِ تنقيةِ ميزانيات مصرف لبنان والمصارف، وحصْر توافر السيولة المقابلة للمتوجبات المطلوب سدادها بعد حصرها بأرقام ناجزة، وتوصيف توظيفات المصارف لدى البنك المركزي، والأهم حصر ديون الدولة لصالحه، وما يمكن أن توفره من سيولةٍ لإعادة رسملة مصرف لبنان بموجب المادة 113 من قانون النقد والتسليف.
وتندرج في النطاق عينه، وفق المسؤول المالي، مبادرةُ اللجانِ النيابية إلى استطلاعٍ مباشر وموثّق للمواقف المعلَنة الصادرة عن حاكمية البنك المركزي، والتي طلبتْ، من دون لُبْسٍ، إدخالَ «تحسينات وتحصينات» تَضمن «العدالة والصدقية وقابلية التطبيق العملي»، قبل إقرار المشروع وإحالته على مجلس النواب.
وتستمدّ محاورة حاكمية البنك المركزي، قوةً مضافةً لتحديد وجهة الكتل النيابية، بفعل الدور الرئيسي المنوط به لضخّ شرائح الودائع المضمونة بحدٍّ أقصى يبلغ 100 ألف دولار لكل مودع (مهما تعددت حساباته)، ولإصدار شهادات مالية «مضمونة» من قِبله للشرائح الأعلى موزَّعة، بحسب المبالغ، على آجال 10 و 15 و 20 سنة.
ولم يكن عابراً مسارعة فرنسا عبر وزير خارجيتها جان نويل بارو للترحيب «بإقرار مجلس الوزراء اللبناني مشروع قانون الانتظام المالي والمعروف باسم (قانون الفجوة المالية)»، معتبراً أن «هذه خطوة أولى أساسية نحو استعادة ثقة الشعب اللبناني في النظام المصرفي اللبناني».