أظهر علماء في ورقة بحثية جديدة نشرت في مؤتمر «ACM» للحوسبة الفائقة أنه أصبح ممكناً تقنياً إعادة إنتاج قشرة دماغية كاملة، وصولاً إلى السلوك الكهربائي للخلايا الفردية، داخل أحد أسرع أجهزة الكمبيوتر في العالم. وباستخدام خرائط بيولوجية تفصيلية من معهد «ألين»، أعاد الفريق بناء القشرة طبقة تلو الأخرى وخلية تلو الآخر، وأجرى النموذج الكامل على الكمبيوتر العملاق «فوغاكو» في اليابان لإحيائه فعلياً في السيليكون.
وقال الدكتور أنطون أرخيبوف، باحث في معهد «ألين» ومؤلف مشارك في الدراسة، إن هذا الإنجاز ليس متعلقاً بالحجم الهائل وحده. والتقدم الحقيقي، كما يقول، هو أن النموذج يحافظ على الأسلاك البيولوجية الفعلية للدماغ، وهو كيفية ارتباط أنواع خلايا محددة وتفاعلها وتشكيل النشاط عبر القشرة. وتلك الدقة مهمة لأن المحاكاة الأصغر يمكن أن تعيد أحياناً إنتاج أنماط مماثلة لأسباب فيزيائية خاطئة.
ويمثل هذا العمل خطوة كبيرة نحو بناء نماذج تتصرف مثل الأدمغة الحقيقية للأسباب الصحيحة.
وبينما العائد الفوري طبي وعملي، يعتقد أرخيبوف أن المحاكاة المستندة بهذا القرب إلى البيولوجيا الحقيقية يمكن أن تساعد في نهاية المطاف العلماء على استكشاف أسئلة أعمق حول كيفية نشوء الإدراك والأفكار وحتى الوعي نفسه من النشاط العصبي.
وينبع هذا الطموح من كيفية عمل النموذج فعلياً، حيث تعمل القشرة الاصطناعية على الفيزياء الأساسية نفسها للدماغ الحي، إذ تضيء الخلايا وتمرر الرسائل عبر الشبكة وفقاً لقواعد فيزيائية حيوية حقيقية.
ولأن إعادة البناء الرقمي تلتقط كيفية اشتعال الخلايا العصبية وارتباطها، فإنها تمثل ليس فقط البنية ولكن الديناميكيات الحية.
وأوضح أرخيبوف، أن النقطة الأساسية لهذه النتيجة هي إثبات أنه من الممكن تقنياً إعادة إنتاج القشرة الدماغية للفأر على جهاز كمبيوتر بهذه الدقة المكانية الزمانية.
ولذلك، فهو أكثر بكثير من مجرد رسوم متحركة، ومع ذلك، لا يزال النموذج إثباتاً للمفهوم بدلاً من نسخة نهائية، إذ يتوافق نشاطه على نطاق واسع مع بيانات الفأر الحقيقية، لكن المقارنات الصارمة طويلة المدى والتحسينات الإضافية لا تزال قادمة.
ويكمن أحد التطبيقات الفورية في المرض. وقال أرخيبوف: «تخيل أن بعض مكونات الشبكة القشرية تبدأ في التغير مبكراً في المرض مثل مرض «ألزهايمر» أو الصرع، ربما تبدأ بعض أنواع الخلايا في الاختفاء أو يتغير الاتصال. يمكننا تنفيذ مثل هذه التغييرات في المحاكاة ونسأل عن تأثيرها». والتغييرات الصغيرة التي لا تظهر أبداً بشكل خارجي لا تزال تظهر في القشرة الرقمية، وهو الأمر الذي يتيح للعلماء رؤية التحولات التي تهم فعلاً والتي قد تصبح أهدافاً مبكرة للعلاج.
وهذا هو الغرض الأساسي للأداة حالياً، وهو طبي وعملي وميكانيكي، لكن أرخيبوف يعتقد أنه يمكن أن يصل في النهاية إلى أماكن أكثر فلسفية، وربما حتى يلمس وجه الوعي. وقال إن مشروعنا يمكن أن يسهم بشكل كبير في فهم الآليات المرتبطة بالوعي.
ومن الناحية التقنية، تستطيع المنصة بالفعل إعادة إنشاء أنماط إشارات الدماغ المرتبطة بالإدراك والأفكار أو الوعي، ثم اختبار ما يحكمها.