الكويت بلد ضارب الجذور في التأسيس من نحو 400 عام، ومع ذلك فهو حديث التكوين نسبياً مقارنة بغير أمم. وهذه الحداثة لا تعني أن المجتمع الكويتي لا يزخر بإرث بيئي برّي وبحري وجوّي كان علامة فارقة ورابطاً بين الكويتيين وأرضهم... وهذا الإرث يشمل النبات والأسماك ونوعيات من الطيور، بل حتى إن الأحوال المناخية التي كانت وما زالت تعبر مدار الكويت كانت لها تسميات متفردة عن سائر الدول. مثل السوايب والسرايات والبوارح والمربعانية والقيض والكوس.

جيلنا، والجيل الذي قبلنا وقبله، عاصرنا الكويت مركزاً لهجرة الطيور فهي تمرّ فوق أجوائنا في فصول وأوقات معينة وبعضها يستوطن لفترة ويتكاثر في الجزر. وكنا، كما آباؤنا، نعرف غالبية أسماء هذه الطيور ونتفقّدها إن تأخّرت ونبحث عن أسباب ذلك. من الأسماء التي ما زالت في البال: حمروش، خضيري، صعوة، مردم، شولة، حمامي، رماني، أشول، حميميج، أبو حقب، أمدقي، سلاحي، أم مليفع، زعرة ، فقاق، السمن، أم سالم والبصوة.

الفئة الاجتماعية نفسها كانت تحفظ عن ظهر قلب أنواع الأسماك التي يتم اصطيادها في بحر الكويت... ولم يخلُ لقاء أسري من حديث عن أسماء مثل الزبيدي والنقرور والهامور والميد وبياح وسبيطي وشيم ولخمة ومزلقان وفرياله وبنت النوخذة والحاسوم.

برّ الكويت دائماً ما كان زاخراً في السابق بأنواع كثيرة من الزرع قبل زحف الأسمنت. أشجار ونباتات برية بعضها يظهر في الأجواء الحارة وبعضها ينمو بعد هطول المطر بل ينتشر ويتوزّع تحت أسوار البيوت وسكك الفرجان وحدائق المناطق الداخلية وأسماؤها معروفة مثل العرفج والزملوق والحمض والربله والطراثيث والطلح والشعران والعاذر والحمبزان والربلا والخبيز والرقروق.

سألت أحد أحفادي ذات يوم عن الحمروش والزملوق، ولا داعي لشرح الموقف،على طرافته وسلبيته، أو كشف المستور عندما اعتبرني أتحدّث بلغة خاصة لم تسمعها أذناه أبداً.

تغيّرت الدنيا. الجيل الذي لحقنا وتبعه وأطفالهم منذ سبعينيات القرن الماضي لليوم، ما عادوا، مع شديد الأسف، يتابعون هذا الإرث أو يعرفون هذه المعلومات وهي جزء أساسي من ارتباطهم بالأرض والمجتمع والتاريخ. ويمكن الاعتراف بمسؤولياتنا كأهل في التقصير لأننا ما زرعنا هذه الأمور في نفوس النشأة، والجيل نفسه يتحمّل مسؤولية لانصرافه إلى التكنولوجيا وأخواتها، كما يمكن القول إن الدولة هي المسؤولة الأكبر كونها أهملت هذا الإرث في المناهج واعتبرت أن الرياضيات والعلوم والآداب واللغات أهم بكثير من قضية إذا فكرنا فيها صح فإنها – في رمزيتها - تُشكّل جزءاً أساسياً من التربية الوطنية.

المطلوب تحرّك جدّي وسريع من وزارة التربية لإعداد طريقة مرنة تسمح بإدخال هذا النوع من الإرث الكويتي في المناهج، والمُتخصّصون كثر، والشياب أطال الله في أعمارهم ما زالوا يحفظون الأسماء، وهناك أيضاً هيئات تعنى بالحفاظ على هذه البيئة البحرية والبرّية والطيور يُمكن الاستعانة بها. وهنا الدور منوط أيضاً بمؤسسة الكويت للتقدم العلمي أيضاً والمجلس الوطني للثقافة والفنون الآداب والمؤسسات البيئية.

من الاقتراحات مثلاً التي تعيد غرس هذا الإرث في عقول الناشئة إنشاء مُسابقة كبرى موسمية تتعلّق بأفضل صورة لكل فئة (برّ، بحر، طيور، تقلّبات مناخية) تكون مكافآتها مجزية. عندها سيترك الأولاد هواتفهم النقالة والألواح الرقمية التي يحملونها ويتبارون في تصوير نبتة فريدة أو سمكة مميزة أو طائر نادر. هذه الأمور تعيد ربط ما انقطع بين الصغار والشبان وبين الانتماء لإرث يجمع بين الثروة الوطنية وبين الأرض والمجتمع. إرث هو أقرب إلى مدخل للانتماء منه إلى المعرفة الصرفة. هذا الغرس لا بدّ أن يبدأ في الصغر لنحصد نتائجه في الكبر.

والجدير ذكره أن لكل طير أو نبتة أو سمكة اسماً علمياً واسماً محلياً كويتياً، وليس بالضرورة أن يكون اسم السمكة في بحرنا هو نفسه في السعودية أو اليمن. لذلك لا بدّ من التأكيد على أن يحفظ الجيل الجديد هذا الإرث بالأسماء المحلية.

ختاماً، مثل هذه الأمور، هذه القرارات المهمة، لا بدّ أن تكون في عناية جهات عليا للتوجيه، ونقصد هنا رئيس الحكومة سمو الشيخ أحمد العبدالله خصوصاً أنه أحد المسؤولين الكبار الذين يعشقون هذه الأمور ولهم باع طويل في مُتابعتها ويُخصّص لها وقتاً في أحاديثه وهواياته، فهو كويتي ابن كويتي ابن كويتي يستلهم دائماً أجمل ما في هذا الإرث ويحرص على توريثه للأجيال المُقبلة.