لم يعرف العالم العربي رجلاً داعبت قدماه المستديرة، وأخذ صيتاً كما الصيت الذي أخذه محمد صلاح، فهو مَن تقمص قميص النجومية في مراحل مبكرة، وأصبحت سيرته إلهاماً ومسيرته حلماً، امتلأت خزائنه بالدروع والجوائز حتى حولت هذا القميص إلى درعٍ واقٍ تتحطم عليه النِّصال، حتى وإن أثار الجدل في كثير من المواقف.
محمد صلاح ابن قرية نجريج التابعة لمدينة بسيون في محافظة الغربية، خريج معهد اللاسلكي الذي بدأ مشواره في أندية اتحاد بسيون وطنطا، وصولاً إلى ناشئي نادي المقاولون العرب، ومن هناك بدأت الرحلة إلى بازل السويسري، ومنها إلى تشلسي مورينيو، حيث كانت بداية مشوار الجلوس على الدكة في أعظم دوريات العالم.
بعد تشلسي، كانت محطة فيورينتينا، حيث بزغ نجم صلاح كجناح أيمن، بدأ يلفت الأنظار وكان الحديث يومها عن انتقاله إلى إنتر، ولكن سرعان ما خطفه روما وكان الممر الشرفي للعودة إلى دوري الإثارة ولكن هذه المرة من بوابة ليفربول.
في روما كان لمدربه لوتشيانو سباليتي الفضل الأكبر والدور الأبرز في تنمية مهارات صلاح، ونقلة من الدكة إلى المستطيل الأخضر رقماً حيوياً في المعادلة، حتى قال سباليتي في أحد التصاريح بأنه استغرق موسماً كاملاً يقنع صلاح للعب بالعمق عوضاً عن الأطراف، حيث كان يفضل، وهذه كانت نقطة الانطلاقة التي استثمرها يورغن كلوب وأزاح الستار عن نسخة صلاح الجديدة وحوّله إلى ماكينة لحصد الألقاب والأرقام القياسية، وتحوّل ذلك الشاب القادم من واحدة من أبسط القرى المصرية إلى أسطورة ملهمة لشباب العالم ومعلم من معالم مدينة بريطانية اشتهر سكانها بعشقهم لكرة القدم وولعهم في نادي مدينتهم الذي يحمل اسمها.
ما وصله صلاح لم يكن وليد المصادفة، ولكنه كان حصاد جد واجتهاد ومثابرة، بدءاً من المشي على الأقدام وركوب المكروباص للحاق بالتمرين الذي يبعد عن قريته ساعات، وصولاً إلى طبق الكشري الذي يتناوله بعد انتهاء حصته التمرينية والذي قال عنه بأنه غالباً ما كانت تأتي عليه أيام لم يكن يملك ثمنه، وانتهاء بانخراطه في مجتمع غربي لا يمت لنشأته بصلة، والجد في تعلم ثقافته، والتحدث بلغته.
كل هذا اتضح بأنه لم يغير من صلاح سوى القشرة، ولكن ظلّت أعماق (أبو مكة) كما هي مخلصة للنشأة وثقافات البدايات، وأعمى وميض الفلاشات عينه وحجب رؤيته ونسي بأنه في نهاية المطاف لاعب في بلد كرة القدم فيه صناعة، والرياضة مهنة ومهما علت نجوميتك، فإنها تتضاءل أمام شموخ الكيان الذي تنتمي اليه.
اعتَقدَ صلاح أن القميص -الذي تحول إلى درع حماه من سهام ذوي القربى- سيكون كفيلاً بحمايته من (سلوت)، فمارس الأساليب التي تتماشى وقواعد اللعبة عندنا، وقرر أن يرمي المدرب متحصناً برصيده لدى الجمهور في وقتٍ النادي فيه يترنّح، وسلوت يقضي أسوأ أيامه مع ليفربول، ولكن جاءت تصريحاته قُبلة الحياة لسلوت.
هوجم كثيراً، وتكتل أساطير اللعبة في مواجهته في ميدان الإعلام الذي اختاره، لعب الفريق من دونه في بطولة إقليمية وربح الفريق والمدرب وخسر هو.
القلب مع صلاح، الذي أحببناه، ورأينا فيه حلمنا وطموحنا، ولكن العقل يقول بأنه تمرد وكبر على الـ(system)، وأراد أن يلعب اللعبة وفق القواعد المعمول بها في منطقتنا، وهذا حتماً ستكون نتيجته بأن يمضي النادي والمدرب والجمهور جميعاً، ويتركوه يمشي وحيداً.
قلبي معك يا أبا مكة.