في تغيير جذري عن إستراتيجية الأمن القومي الأميركي لعام 2022 التي دعت إلى تعزيز الديمقراطية في ظل النظام العالمي الحالي، عرضت إدارة دونالد ترامب، الجمعة، إستراتيجية جديدة تقوم على تحوّل جذري في السياسة الخارجية، وتنقل تركيز القوة العظمى من الساحة العالمية إلى الجوار الإقليمي وتنذر بزوال الحضارة الأوروبية وتضع الحد من الهجرة الجماعية على رأس أولوياتها.

وبناء على وثيقة الأمن القومي التي تحدد رؤية خارجة عن المألوف للعالم، تتصدّر أميركا اللاتينية، أجندة الولايات المتحدة في تحوّل جذري عن دعوتها تاريخياً للتركيز على آسيا في مواجهة صعود الصين، مع تسجيل تراجع كبير في الاهتمام بالشرق الأوسط.

وقال الرئيس الأميركي في تمهيد للوثيقة، «في كل ما نفعله، نضع أميركا أولاً».

وفي قطيعة مع عقود من المساعي الرامية إلى الانفراد بموقع القوة العظمى، تؤكد الإستراتيجية أن «الولايات المتحدة ترفض أن تنتهج بنفسها المبدأ المشؤوم للهيمنة على العالم».

وإن كانت تشير إلى أن أميركا ستمنع قوى أخرى، لا سيما الصين، من الهيمنة أيضاً، فهي تؤكد أن «ذلك لا يعني هدر الدماء والأموال للحد من نفوذ كل قوى العالم العظمى والمتوسطة».

وتعهّدت «تعديل حضورنا العسكري العالمي للتعامل مع التهديدات العاجلة في الجزء الذي نحن فيه من الكرة الأرضية، بدءاً من الهجرة».

فالإستراتيجية تؤكد أن «عصر الهجرة الجماعية يجب أن ينتهي». كما توضح أن أميركا في عهد ترامب ستسعى لتحقيق أهداف مشابهة في أوروبا، تتوافق مع أجندات أحزاب اليمين المتشدد.

وفي لغة غير مألوفة عند مخاطبة حلفاء مقرّبين، تشير الإستراتيجية إلى أن الإدارة ستعمل على «تنمية المقاومة لمسار أوروبا الراهن داخل الدول الأوروبية نفسها».

وجاء الرد الألماني سريعاً، إذ شددت برلين على أنها ليست بحاجة إلى من يعطيها «نصائح من الخارج».

وتلفت الإستراتيجية إلى تراجع حصة أوروبا في الاقتصاد العالمي، وهو أمر ناجم إلى حد كبير عن صعود الصين وغيرها من القوى، وترى أن «التراجع الاقتصادي يطغى عليه احتمال حقيقي وأكثر وضوحاً يتمثل بالمحو الحضاري. إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فلن يعود من الممكن التعرّف على القارة خلال 20 عاماً أو أقل».

وفي وقت يسعى ترامب لوضع حد للحرب في أوكرانيا، تتّهم الإستراتيجية الأوروبيين بالضعف وتؤكد أن على واشنطن أن تركّز على «محو الانطباع بأن الناتو حلف يتمدّد بلا انقطاع، والحيلولة دون تجسّد ذلك على أرض الواقع».

تحديث «مبدأ مونرو»

منذ عودته إلى السلطة في يناير الماضي، أمر ترامب بالحد بشكل كبير من الهجرة بعد مسيرة سياسية بُنيت على إثارة المخاوف من تراجع نفوذ ومكانة الغالبية البيضاء.

وتتحدّث الإستراتيجية صراحة عن تعزيز الهيمنة في أميركا اللاتينية، حيث تستهدف واشنطن مهرّبي مخدرات وتتدخل ضد قادة يساريين وتسعى علناً للسيطرة على موارد رئيسية، مثل قناة بناما.

وتظهر الإستراتيجية، ترامب على أنه يعمل على تحديث «مبدأ مونرو» القائم منذ قرنين والذي أعلنت في إطاره الولايات المتحدة التي كانت حديثة العهد حينذاك، أن أميركا اللاتينية منطقة محظورة على القوى المنافسة.

في المقابل، تولي الإستراتيجية اهتماماً أقل بالشرق الأوسط، المنطقة التي لطالما شغلت واشنطن.

وفي إشارة إلى الجهود لزيادة إمدادات الطاقة في الداخل وليس من الخليج، تنص على أن «هدف أميركا التاريخي للتركيز على الشرق الأوسط، سيتراجع».

ومع التذكير بأن أمن إسرائيل أولوية، تتجنَّب الوثيقة استخدام اللغة نفسها حيال الدولة العبرية والتي كانت تُستخدم حتى في إدارة ترامب الأولى.

وبالنسبة للصين، تكرر الإستراتيجية الدعوة لتكون منطقة آسيا والمحيط الهادئ «حرة ومفتوحة» مع التركيز على بكين كمنافس اقتصادي في المقام الأول.

وبعد تكهّنات عدة بشأن ما سيكون عليه موقف ترامب من تايوان التي تطالب بها بكين، توضح الإستراتيجية أن الولايات المتحدة تؤيد الوضع القائم منذ عقود لكنها تدعو حليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية للمساهمة أكثر لضمان قدرة تايوان على الدفاع عن نفسها أمام الصين.

وكما هو متوقع، تركّز الإستراتيجية بدرجة أقل على أفريقيا، معتبرة أن على الولايات المتحدة الابتعاد عن «الفكر الليبرالي» و«العلاقة القائمة على المساعدات» والتأكيد على أهداف على غرار تأمين المعادن الحيوية.

ويصدر الرؤساء عادة «إستراتيجية للأمن القومي» في كل ولاية لهم في البيت الأبيض. ومنحت الأخيرة التي نشرها جو بايدن في 2022 أولوية للتفوّق في المنافسة مع الصين مع كبح جماح روسيا «الخطيرة».

«أكبر حليف»

وفي الدوحة، رأت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أن الولايات المتحدة مازالت الحليف الأكبر لأوروبا. وقالت في منتدى الدوحة رداً على سؤال حول الإستراتيجية الأميركية،«طبعاً هناك الكثير من الانتقادات، لكن أعتقد أن بعضها صحيح»، مضيفة «الولايات المتحدة مازالت حليفنا الأكبر... لا نتفق دوماً على مسائل مختلفة لكن المنطق هو عينه. ونحن أكبر الحلفاء وينبغي أن نبقى متحدين».