قال وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبدالرحمن المطيري، إن مهرجان الكويت المسرحي رسّخ مكانة المسرح في وجدان مجتمعنا وأكد دوره المؤثر في المشهد الثقافي.
كلام المطيري، أتى خلال افتتاح مذهل لفعاليات الدورة الخامسة والعشرين لمهرجان الكويت المسرحي، الذي يحتفي هذا العام بـ «اليوبيل الفضي»، وكذلك بالفنان محمد المنصور، «شخصية المهرجان» والفنان القطري غانم السليطي، «ضيف المهرجان».
وشهد حفل الافتتاح، الذي أقيم في قاعة الدراما بمركز الشيخ جابر الثقافي، حضور الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور محمد الجسار، والأمين العام المساعد لقطاع الفنون في المجلس مساعد الزامل، وحشد من فناني الكويت، بالإضافة إلى ضيوف المهرجان من مبدعي الوطني العربي في مجالات المسرح المختلفة.
«مرآة صادقة»
وأضاف المطيري، أن المسرح الكويتي كان منذ بداياته الأولى رافداً للوعي الوطني ومرآة صادقة للمجتمع، أسهم من خلالها الرواد في تأسيس حركة مسرحية راسخة، صنعت ذاكرة فنية مميزة وضعت الكويت في طليعة الحراك المسرحي العربي، لتتواصل اليوم هذه المسيرة بأجيال من المبدعين الذين يحفظون شعلة الفن بروح متجددة وشغف لا ينطفئ.
ولفت إلى أن ما يزيد من أهمية هذا المهرجان أنه يأتي متزامناً مع اختيار دولة الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي لعام 2025، و«هي مناسبة تعكس مكانة دولتنا الثقافية وتترجم رؤيتها في جعل الثقافة ركناً لتعزيز الهوية والانفتاح على التجارب الإبداعية العربية».
وأوضح أنه انطلاقاً من إستراتيجية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الهادفة إلى دعم الحركة المسرحية، وتوسيع فضاءات الإنتاج الثقافي، يواصل المجلس توفير بيئة حاضنة للمبدعين ودعم المبادرات التي تعزز حضور الفن الكويتي عربياً ودولياً، ليبقى المسرح عنصراً أساسياً في المشهد الثقافي للدولة. وأكد أنه «في هذه الدورة نكرم الفنان القدير محمد المنصور، شخصية المهرجان لعام 2025، تقديراً لمسيرة فنية راسخة أسهم من خلالها في ترسيخ حضور المسرح الكويتي وإثراء الذاكرة الخليجية والعربية، وقدم أعمالاً شكلت علامة بارزة في تاريخ الفن الكويتي، بما تميز به من حضور استثنائي وأداء متفرد ليبقى واحداً من أبرز الوجوه التي صنعت تأثيراً عميقاً في الوجدان الفني الكويتي والعربي».
واسترسل بالقول: «كما يسعدنا الاحتفاء بالفنان القدير غانم السليطي، من دولة قطر الشقيقة، الشخصية المكرمة في هذه الدورة تقديراً لدوره الكبير في المسرح والدراما الخليجية والعربية، وما قدمه من أعمال مميزة تركت أثراً بارزاً لدى الجمهور وأسهمت في تطوير أدوات المسرح وصياغة لغة فنية راسخة».
«تاريخ مشرق»
من ناحيته، تحدّث الأمين العام المساعد لقطاع الفنون مساعد الزامل، قائلاً: «خمس وعشرون دورة... تاريخ مشرق للكويت، في إثرائها للحركة المسرحية والإبداعية، فكرة انطلقت من رواد الفرق المسرحية الأهلية الأربعة بدعم واحتضان من المسؤولين في حقل الثقافة والإعلام فانطلقت الدورة الأولى عام 1989، والدورة الثانية عام 1990، بعروض جسّدت خبرة سنين النهضة المسرحية التي وقفت على ظهر روادها الأوائل، ومزجت بين روحها مع جيل جديد لاستكمال حداثة الفن المسرحي بأسلوب أكثر حرفية وتقنية». وتابع «بعد تحرير الكويت، توقّف المهرجان وأعاد حضوره في الدورة الثالثة عام 1999، فكانت لي الحظوة بالمشاركة فيه كاتباً مسرحياً مع زملائي بالمعهد العالي للفنون المسرحية وحققنا جميعاً جوائز عدة، كنا في بداية الانطلاقة استلهمنا فيها كل جهد وتعب قدمه روادنا وأساتذتنا الكبار الذين ساندونا بخبراتهم، والتي ساهمت في نقلة نوعية لهذا المهرجان وأعطته صبغة شبابية خالصة في غالب النسخ التي تلت الدورات المتعاقبة والحافلة بالتنوع والإبداع لعناصر العرض المسرحي والنقدي».
وألمح إلى أن هذا المهرجان كان ولا يزال أيقونة معظم المهرجانات في المنطقة، وساهم في اكتشاف وظهور أسماء أصبحت اليوم لامعة في مهرجانات عدة، من كتاب ومخرجين وممثلين فصاروا نجوم اليوم، وقدموا لنا نقاداً وباحثين وصحافيين أصبحوا جزءاً مهماً لمهرجان الكويت المسرحي، وعنواناً دائماً لمشاركتهم في إنجاحه لنحتفل اليوم باليوبيل الفضي على مرور 25 نسخة من التميز والاستدامة.
وتمنى الزامل للمسرحيين من الكويت والعالم العربي دوماً التألق والنجاح، وقال: «إن دوركم كبير جداً في الحفاظ على تقاليد عالم المسرح بكل ما يحمله من رسائل مهمه، لقيم المجتمع وخلق صورة إبداعية احترافية تعطي معاني الجمال أكثر إشراقاً وبهجة، لحس الجمهور واستمتاعه».
«بيت وبحر»
وكان الافتتاح انطلق من أعماق البحر حيث تصدح «النهمة» و«اليامال» وترتفع أصوات الغواصين وهم يروون حكايات الكفاح والرزق، إلى فضاءات البادية المجبولة بالشعر والفروسية وطبائع الكرم والنخوة، حيث نسج أوبريت الافتتاح «بيت وبحر» رحلة فنية، في عرضٍ حمل الجمهور إلى فضاءات تمزج بين الذاكرة والهوية، وبين الحنين والابتكار.وحلّق الأوبريت على بساط المحبة والسلام، متخذاً من الموسيقى والاستعراض والدراما جسراً يعبر فيه المشاهد نحو ربوع الوطن العربي، متنقلاً بين إيقاعات السامري والفريسني، ومستحضراً ترددات الصحراء ونبضات المرسى، ومتوقفاً عند محطات الشعر والعلم والأدب.وجمعت اللوحات بين أصالة الموروث ورحابة الحداثة، وبين الروح الشعبية الكويتية وروح الانفتاح على الثقافات العربية الأخرى.وجاء الأوبريت برؤية فنية للأمين العام لقطاع الفنون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مساعد الزامل، الذي حرص على أن يكون العمل احتفاءً بالتراث الكويتي بكل روافده، في حين تولى المخرج هاني النصار صياغة رؤية بصرية متجددة، تعتمد على الإبهار التقني من جهة، وعلى المشاعر الإنسانية من جهة أخرى.
أما النص الذي صاغه الدكتور خلف الخالدي، فكان هو الخيط التي انتظمت عليه اللوحات، إذ رسم بكلماته فضاءات مشحونة بالعاطفة والانتماء، تستعيد صور الغوص والسفر والترحال، وتستحضر مشاهد البيوت الطينية والبحر المفتوح.وتميّز العرض باستحضار افتراضي لشخصيات ثقافية كويتية وعربية تركت بصمات واضحة في وجدان المجتمع، من بينهم الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح، والشاعر أحمد مشاري العدواني، والشاعر عبدالعزيز البابطين، ورائد المسرح الكويتي حمد الرجيب.
كما استذكر نخبة من المبدعين العرب الذين احتضنتهم الكويت في مراحل مختلفة، مثل الفنان الكاريكاتوري ناجي العلي، والشاعر بدر شاكر السياب، والمسرحي زكي طليمات، لتجتمع هذه الرموز على خشبة المسرح من خلال مشاهد تمثيلية أدتها مجموعة من المواهب الكويتية، فيما جاءت بعض الإطلالات بتقنية «الهولوغرام» لتضيف بعداً بصرياً متطوراً يعكس التحولات التي يعيشها المشهد الفني.وكان مسك الختام أغنية «نحن باقون هنا»، التي عبّرت بكلماتها ولحنها عن معنى الصمود والمحبة والانتماء، لتختتم هذا العرض الاستثنائي برسالة تقول إن الفن قادر دائماً على أن يكون مرآة للهوية، ولغة للحياة، وجسراً بين الماضي والمستقبل.«فيلمان وثائقيان»عُرض خلال الافتتاح فيلمان وثائقيان عن شخصية المهرجان الفنان محمد المنصور، وضيف المهرجان الفنان القدير غانم السليطي، تخللهما أبرز المحطات الفنية لهاتين القامتين.
مراسم التكريم
كرّم الوزير المطيري، إلى جانب الجسار والزامل، كلاً من المنصور والسليطي، اللذين عبّرا عن فخرهما واعتزازهما للاحتفاء بهما في هذه الدورة من المهرجان. وفي ختام حفل الافتتاح، أعلن مدير مهرجان الكويت المسرحي الدكتور شايع الشايع، أعضاء لجنة التحكيم، وهم: الدكتور علي حيدر رئيساً (الكويت)، الدكتور هشام زين الدين (لبنان)، الدكتورة منتهى طارق (العراق)، الدكتور عمر نقرش (الأردن)، الدكتور سعيد السيابي (عُمان)، مازن غرباوي (مصر)، ومروة قرعوني (لبنان).
المنصور والسليطي أضاءا على تجربتيهما في أولى الجلسات الحوارية
ضمن أنشطة المركز الإعلامي المصاحب للمهرجان، أُقيمت صباح اليوم، في فندق المارينا جلسة حوارية، جمعت «شخصية المهرجان» الفنان محمد المنصور، و«ضيف المهرجان» الفنان القطري غانم السليطي، في حين أدارها الأمين العام المساعد لقطاع الفنون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مساعد الزامل، بحضور نخبة من المسرحيين والنقاد وضيوف الكويت.
استهل رئيس المركز الإعلامي الزميل صالح الدويخ، اللقاء مرحباً بضيوف الكويت، ومعلناً افتتاح أولى الجلسات الحوارية في المهرجان.
من جهته، أكد الزامل في كلمته أن المسرح يُعد من أصعب مجالات الإبداع، ويتطلّب فنانين حقيقيين قادرين على العطاء. وأشار إلى أن اختيار الفنان محمد المنصور شخصية للمهرجان، والفنان غانم السليطي ضيفاً للمهرجان، جاء تقديراً لمسيرتهما الحافلة بأعمال رسخت في ذاكرة المسرح الخليجي، خصوصاً في ظل اختيار «الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي».
في غضون ذلك، استعاد المنصور، بداياته الفنية، متحدثاً عن أعماله الأولى في زمن الأبيض والأسود، ومحطات الصعود التي جعلت منه أحد أبرز نجوم الساحة الكويتية والعربية. كما استذكر رفاق دربه، ومنهم الراحل صقر الرشود، وغيرهم من الأساتذة الذين أثروا تجربته. ولدى سؤاله عن انتقاله من كرة القدم إلى الفن، أوضح المنصور، أنه بدأ حياته لاعباً في النادي العربي، ثم اتجه إلى المسرح مع تأسيس «مسرح الخليج» في منطقة الدسمة.
ورأى المنصور، أن لاعب كرة القدم لا يستمر طويلاً، وأن اللعبة تعتمد على الأخطاء، بينما لعبة المسرح تقوم على الحقيقة المباشرة والحوار مع المتلقي، معتبراً أن المسرح لعبة الواقع، ومردفاً: «صحيح أن لاعبي الكرة اليوم يحصدون الملايين... لكننا كفنانين لا نأخذ مثلهم».
وتحدّث المنصور، عن أثر المخرج والمسرحي الكبير زكي طليمات، في مسيرته، قائلاً إن طليمات، وصفه بأنه «راقص باليه على الخشبة»، ونصحه بصقل موهبته بالدراسة، مؤكداً أن «الفنان موهبة وسلوك قبل أي شيء»، مشيراً إلى التزامه بثلاثة مبادئ هي الصدق والاحترام والتقدير، وأن مسيرته الممتدة لـ 62 عاماً ما زالت مستمرة بالعطاء.
«معارك الفن»
من جانبه، تحدّث الفنان غانم السليطي، عن «المعارك» التي واجهها في المجتمع والفن، قائلاً: «عندما كنت صغيراً كانوا يلقبونني بـ(القرد) لأنني كنت أقلّد كل شيء، وكانت هذه أولى المعارك».
وأضاف أن المعركة الأكبر كانت مع التحفظ القبلي تجاه دخوله مجال التمثيل، رغم وفاة والده مذ كان عمره سنة واحدة، غير أن شغفه بالفن دفعه لمواجهة كل المعارضات.
وأشار السليطي، إلى أنه خاض معركة أخرى مع أسرته بعد التخرج، إذ أرادوه طبيباً أو مهندساً، بينما اختار هو المسرح، فسافر إلى الكويت ثم إلى مصر طلباً للدراسة والتخصص.
كما تذكر زيارة المسرحي المنصف السويسي إلى قطر، الذي درّبه في إحدى الورش المسرحية، وبعدها بدأت «معركة الغيرة مع أعداء النجاح»، على حد قوله. ولخّص السليطي، تجاربه قائلاً: «لا خير في فن لا يؤلم».
وأوضح أنه قدّم العديد من الأعمال الكوميدية من منطلق أن «الضحك أخطر الأسلحة في مواجهة القضايا الاجتماعية والسياسية»، وأن «مطرقة الضحك أخطر من مطرقة النجار لأنها تعيش في ذهن الناس». وروى السليطي، حادثة طريفة من بدايات المسرح في قطر: «قالوا لنا مثّلوا في ملعب كرة قدم لأنه لا يوجد مسرح. وبالصدفة زار محمد علي كلاي قطر، وأقيمت في وسط الملعب حلبة ملاكمة، فكانت أول خشبة أقف عليها هي نفسها التي وقف عليها كلاي».