عزيزي القارئ، هذا المقال سيأخذ منك 3 دقائق في القراءة، ولكنه سيوفر عليك تعب 30 سنة من التفسير، لأن العلم وحده قادر على تفسير لماذا الأغبياء واثقون في أنفسهم إلى هذه الدرجة؟ فأهلاً بك في قسم الغباء المنظم!

جميعنا قابلنا شخصاً نحن متأكدون من غبائه... وتساءلنا لماذا هذا الشخص لا يشعر بأنه غبي؟!

تخيلوا معي... أناساً غباؤهم يصل بهم إلى درجة أنهم مقتنعون بأنهم يستطيعون أن يخترعوا «نظرية كونية جديدة» وهم خلف المكاتب وليسوا في المختبرات! والمشكلة أنهم مقتنعون بقدراتهم 100 %.

إن العلم سمى هذه الظاهرة: «تأثير دانينغ-كروجر»، وهذه أعظم نكتة قدمها علم النفس للبشرية!

دعونا في البداية نتعرف على تأثير دانينغ-كروجر، كشهادة غباء رسمية!

خرجت الدراسة الأصلية عام 1999، وقدمها العالمان «دانينغ» و«كروجر» في جامعة كورنيل، درسا مجموعة من الطلاب في المنطق والنحو والفكاهة، وكان الاكتشاف أن الطلاب الأضعف كانوا يبالغون في تقدير مهاراتهم.

النظرية ببساطة عزيزي القارئ! تقول إن «الغباء يمنعك من إدراك غبائك»، والمعضلة تكمن في أنه لكي يدرك الغبي أنه غبي... يحتاج إلى أن يكون ذكياً!

والسؤال الذي ربما يهمنا الآن، هو كيف يخدع العقل نفسه وصاحبه ليصل به إلى هذه الدرجة؟ في البداية الغبي لديه نقص في المهارات المعرفية، ولا يدري أنه «لا يعرف» كما أنه يظن أن الذي يعرفه هو «كل الحقيقة»... أضف إلى ذلك عدم القدرة على التقييم، فلا يستطيع أن يقيس مستوى أدائه، ويرى أن أي نتيجة يحققها «إنجاز»... إنه الوهم المزدوج الذي يجعله يبالغ في تقدير نفسه ويقلل من تقدير الآخرين.

في الديوانيات ستجده يتكلم في السياسة الدولية والعلاقات الجيوسياسية، وهو لا يعرف قراءة خريطة! ويقلل من تقدير الدكتور الجامعي!

في وسائل التواصل تراه ينشر معلومات طبية خاطئة، ويتهجم على الأطباء المتخصصين!

حسناً عزيزي القارئ! لماذا هذه الظاهرة خطيرة؟ يكمن خطرها عندما يتحول الغباء إلى قوة! ففي العمل موظف فاشل يطالب بترقية ويشكو أن الإدارة «لا ترى مجهوده» وأن الواسطة متفشية!

والآن كيف يمكننا أن نتبنى حلاً علمياً للتعامل مع الأغبياء الواثقين؟ أولاً لا تجادلهم، فالجدال مع غبي وواثق مثل الملاكمة في الوحل أو كيس الرمل... هو يستمتع.. وأنت تتعب! أما أنجح الوسائل فهي استخدم «تأثير سقراط» عبر طرح أسئلة تجعله يكتشف غباءه بنفسه.

أما إذا كنت رحيماً بما يكفي، فيمكنك أن تمنحهم مساحة للتعلم، مثل أن تجعلهم يجربون ويخطئون ثم يتعلمون... ولكني أشك في ذلك!

أما أهم نصيحة يمكن أن أقدمها لك في هذا المقال، فهي: احمِ نفسك... خصوصاً إذا كان الغبي في موقع مسؤولية... حاول تجنب الصدام المباشر... هذه رسالة مسجلة، أعد الاستماع إليها كلما قابلته.

بالتأكيد كلنا قد سأل نفسه، هل أنا غبي أم ذكي؟ وكيف أعرف ذلك؟ إليك عزيزي القارئ الاختبار الذاتي... والذي يجيب عن سؤال هل أنت من الأغبياء الواثقين؟ أم من الأذكياء المتشككين؟ هل تشعر بأنك أفهم من المتخصصين في مجالهم؟! هل تلوم الآخرين عندما تفشل؟! هل ترفض النقد حتى من أهل الخبرة؟ هل تعتقد أن نجاحك حصل لأنك «أنت رائع» وليس بسبب التوفيق؟ إذا أجبت «نعم» عن معظم الأسئلة، فأنت ضحية «تأثير دانينغ-كروجر»!... لكن لا تقلق... الوعي هو أول خطوة للعلاج!

لأن الغبي لا يعرف أنه غبي، والذكي يشك في ذكائه، والعبقري يعترف بجهله... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل.