لم يكتفِ بالإنجازات متعددة البصمات التي تركها على صعيد الشعر والثقافة، بل أضاف وترك إرثاً بالغ الأهمية على صعيد الحركة الثقافية في دولة الكويت، وهو إنشاء مكتبة البابطين التي تُعد اليوم من أهم المكتبات المهمة على مستوى الشرق الأوسط.
تلك الشخصية هي المرحوم عبدالعزيز سعود البابطين، طيّب الله ثراه. أحد الأسماء البارزة في الساحة الثقافية والأدبية في دولة الكويت والعالم العربي، فكان رجل أعمال ناجحاً، وفي الوقت ذاته شاعراً وأديباً كرّس جزءاً كبيراً من حياته وجهده لخدمة الثقافة والمعرفة.
لقد آمن البابطين بدور الكلمة وأثرها في بناء الإنسان والمجتمع، ومن هذا المنطلق أسّس العديد من المبادرات التي رسّخت اسمه كداعية للعِلم وحامٍ للثقافة.
ولد البابطين، في بيئة كويتية أصيلة، حيث اكتسب حب اللغة العربية منذ صغره، ونمّى موهبته الشعرية حتى أصبح له حضور واضح في الساحة الأدبية. لكن طموحه لم يتوقف عند حدود الشعر، بل تجاوزه إلى مشروع ثقافي كبير تمثّل في إنشاء مكتبات وموسوعات معرفية، من أبرزها مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي التي تُعد صرحاً ثقافياً بارزاً على مستوى العالم العربي.
هذه المكتبة لم تكن مجرد مكان لحفظ الكتب، بل أصبحت مشروعاً فكرياً متكاملاً يهدف إلى توثيق الفكر الثقافي. تضم المكتبة آلاف المجلدات التي تغطي تاريخ الشعر العربي من عصوره الأولى حتى العصر الحديث، بالإضافة إلى موسوعات ودراسات نقدية وبحوث أكاديمية، ما جعلها مرجعاً لا غنى عنه للباحثين والدارسين.
وتكمن أهمية هذه المكتبة في كونها منصة متاحة للبالغين والمطلعين وكل من يسعى لتوسيع مداركه، فهي ليست حكراً على الأكاديميين أو المختصين، بل متاحة لعامة القراء الذين يجدون فيها متعة فكرية وفائدة معرفية.
إنها بمثابة جسر يصل الماضي بالحاضر، حيث تتيح للجيل الجديد التعرف على روائع الشعر العربي ومصادره الأصلية، وتفتح أمامهم آفاق البحث والدراسة.
من جهة أخرى، أسهمت مكتبة البابطين في تعزيز مكانة الكويت كمركز ثقافي عربي، إذ باتت تستقطب الباحثين من مختلف الدول، وتحتضن الندوات والمؤتمرات الفكرية.
ومن ناحية أخرى، أيضاً فإنه جدير بالقول، إن مبادرات عبدالعزيز سعود البابطين، تعكس رؤية واضحة بأن الثقافة والمعرفة هما أساس النهضة والتطور، وأن المكتبات هي حصون العلم التي تحافظ على هوية الشعوب.
ومن خلال جهوده، استطاع أن يقدم نموذجاً فريداً لرجل الأعمال الذي يوظّف نجاحه المالي لخدمة الفكر والأدب، ليبقى اسمه خالداً في سجل أعلام الثقافة العربية. وبذلك، فإن عبدالعزيز سعود البابطين لم يكن مجرد شاعر أو رجل أعمال، بل شخصية ملهمة جسّدت التوازن بين النجاح العملي والعطاء الثقافي، فيما تبقى مكتبته وموسوعته شاهداً حياً على إيمانه بأن الكتاب هو النور الذي يهدي العقول عبر الأجيال. والله ولي التوفيق.
Dr.essa.amiri@hotmail.com