أيها المتخصص ابن وطني، سواء كنت طبيباً أو محترفاً في أي مجال...! أيها المتخصص سؤالي لك: أليس هذا الوطن هو من فتح لك أبواب المدارس منذ طفولتك؟ أليس هو من أنفق عليك في تأمين سكنك، وعلاجك، وأمنك طوال طفولتك وشبابك؟
أليست الكويت التي ضمنت لك مقعداً في كلية الطب، إن كنت طبيباً؟ تلك الكلية التي تُعد الأغلى كلفة بين كل التخصصات؟
أليس الوطن من دفع لك لتقف أنت اليوم حاملاً شهادة تفخر بها؟ فكيف إذاً، بعد أن شبعت من خير بلدك، تدير ظهرك له وتشد الرحال إلى أرض أخرى، حيث تجتهد لتداوي الغرباء، تعالج (جورج وإليزابيث)، وتترك (نورة وجاسم) بنات وأبناء وطنك الذين انتظروك طويلاً؟
كيف تُعطي جهدك ووقتك وعلمك لغيرهم، بينما بلدك يحتاج إليك؟ أي ضمير يقودك وأي قيم تلتحف بها؟ لو كنت في بلد فقير ربما عذرناك، أو كنت تعاني من قهر وظلم فادحين، ربما فهمنا، ولكن أن تكون في الكويت، حيث الطريق أمامك سهل لا يتخلله إلا مطبات موجودة في كل دول العالم، وهي معوقات لا تعادل كرم الوطن عليك.
أيها المهاجر! أن تكون في الكويت وتتركها لتعمل في مستشفى أميركي أو أوروبي، فإنك غير معذور وقد ظلمت وطنك ولم توفه حقه عليك... ومهما كانت مبرراتك فإنها أعذار أقبح من ذنبك في حق الوطن.
المعادلة هنا ليست عادلة: الوطن قدّم لكم كل شيء منذ مقاعد الدراسة وحتى التخصص، لكن عند مرحلة العطاء ومرحلة مساعدة الوطن للتقدم، عند تلك المراحل تقابل هذا المعروف بالجفاء؛ والإحسان بالإنكار، تساعد بلداً أجنبياً لا يحتاج إليك لتطويره، وتهجر الوطن الذي كان يحتاج لك لدفعه للأمام، وهكذا تتحول ظاهرة هجرة العقول إلى نزيف مستمر، حيث تدفع الكويت فاتورة باهظة من ميزانياتها، بينما تستفيد الدول الأجنبية من كوادر جاهزة ومدربة من دون أن تتحمل تكاليف إعدادها.
إنها ليست مسألة خسارة فحسب، بل مسألة وفاء وعدل؛ فمن أنفق عليك حتى صرت طبيباً، أو مهندساً أو عالماً، يستحق أن تحميه بمهنتك قبل أن تحمي غيره. ومن منحك العلم، يستحق رد الجميل لا الهجرة.
بنات وأبناء بلدي! اليوم تحتاجكم أمكم الكويت، نحتاجكم من أجل تقدمها ورفعة شأنها، فلا تبخلوا عليها، ولا تظنوا أن الوطن لا يحتاج لكم، بل إنكم ضرورة له، وعليك أن تثق أن عطاءك للوطن حتى لو ظننت أنه صغير، هذا العطاء هو في عين الكويت كبير... كبير.